في ذلك المساء كنا نفترش (برشا ) في مدينة فلادلفيا ونترقب موعد الافطار الرمضاني ..اقترب من مجلسنا شاب زنجي لم يتعد الثامنة عشرة من عمره ..كان قد أدرك من هيئتنا أننا مسلمون..سألنا عن الاسلام والصلاة وطلب جِلْبابا اسلاميا..قال ان اسمه حنيف ..الزنجي الصغير حائر بين الإسلام والمسيحية لأن أفراد أسرته الصغيرة يجمعون بين الديانتين..كل ذلك وأحد رفاقه ينتظره في عرض الشارع..كان ذاك الشاب ذا ملامح عربية..حينما دنا من مجلسنا عرفنا أن والده فلسطيني وأمه أمريكية من أصول بورتوريكية..الشاب (جو ) قال إنه مسيحي ولا يعرف عن والده شيئا غير أن اسمه إبراهيم..بدا جو غاضبا وربما يائسا لأنه لم يتمتع بالاستقرار الأسري.
تلك الصورة وجدتها حينما أدرت النقاش مع شاب سوداني تعود أصوله الى منطقة السوكي..حسين أسماه والده تيمنا بالشريف حسين الهندي .. ولد حسين في جنوب الولايات المتحدة ويتحدث العربية من غير إتقان..نجح حسين في دراسته واختار مجال القانون..أحلام الشاب الثلاثيني تتسع ليدخل مجال السياسة معبرا عن عشيرته من المهاجرين و المسلمين والعرب..يعتقد حسين أن أحلامه ستحقق إذا تزوج أمريكية متعلمة..قدوته السياسية في تجربة نجاح الرئيس اوباما..أحلام حسين تصطدم برغبة أسرته في ان يعيش سودانيا ويتزوج إحدى بنات عمومته..هذا صراع حول الهوية لم يتمكن حسين بعد من تجاوزه.
في ولاية فرجينيا يعيش عدد من رموز الجيل الأول من السودانيين ..هؤلاء بعثتهم الحكومة السودانية للتخصص العلمي الدقيق في منتصف السبعينات..ذهبوا إلى هنالك ولكنهم آثروا الاستقرار في بلاد تتسع فيها الأحلام ويسهل فيها المعاش ..كانوا يبدو عليهم انهم مازالوا متمسكين بهويتهم الأولى..بدا ذلك واضحا من حرصهم على ارتداء الزي الشعبي ومواظبتهم على أداء الصلوات..على مقربة منهم كان يجلس الجيل الثاني..هؤلاء الشباب يتحدثون الإنجليزية بملامحها الامريكية..حتى مواضيعهم تختلف شكلا ومضمونًا عن مجالس آبائهم.
الآباء أكدوا أنهم يحلمون بالعودة إلى الوطن ولكن ارتباطات الأسرة تقيدهم..أحد هؤلاء يعمل أستاذا جامعيا كان صريحا معي..أخبرني أنهم مازالوا مصرين على العيش كسودانيين..بالنسبة إلى أبنائهم انخفض سقف الأمنيات لرؤيتهم فقط كمسلمين..أما بالنسبة للحفدة الذين وصلوا مرافئ الحياة فليس مطلوب منهم سوى السلوك الحسن الذي لا يلطخ سمعة الأجداد بالعار.
في تقديري.. قضية المهاجرين وأبنائهم لم تنل حظا من النقاش..في أغلب الأحوال لن يعود أولئك الذين اغتربوا غربا..ولكن مازال هنالك متسع للتواصل مع هؤلاء والإفادة منهم بشكل مجتمعي ..بمعنى بالإمكان ان يكون هؤلاء رصيدا من الكوادر البشرية التي تفيد الوطن..ربما هذا الملف يحتاج مزيدا من النقاش الذي تضطلع به وزارة الموارد البشرية وربما منظمات المجتمع المدني.
دعوني أقدم مقترحا للدكتور إبراهيم غندور وزير الخارجية..مقترحي يتعلق بالإفادة من الجيل الثاني وأعني بهؤلاء الذين ولدوا في المنابت الغربية..تعيين مجموعة من هؤلاء كمستشارين ودبلوماسيين في سفارات السودان في الدول الغربية سيكون مفيدا جداً..بإمكان هؤلاء ان يكونوا جسرا جيدا للتواصل بيننا والغرب.
بصراحة.. من رأيتهم في المغارب أصول بشرية تستحق الاهتمام ..يحبون السودان ولكن بطريقة مختلفة..