الجيل الرابع .. العالم على الحافة

> ما يدور من نقاشات واختلافات بين وزارة الاتصالات وهيئتها من جهة والشركات العاملة في البلاد «سوداني، زين، إم. تي. إن» حول إطلاق خدمة الجيل الرابع (G4) للانترنت، لهو أمر محير حقاً، نظراً لما يكتنف هذا الموضوع من خفايا وتعقيدات فنية وتجارية لا تظهر في الواجهة ولا تثير شهية العامة لمعرفتها، فمع أن خدمة الجيل الرابع ستحدث ثورة حقيقية في خدمة الاتصالات والمعلومات استقبال واستخدام الوسائط السمعية والفيديو ونقل الصور والمعلومات بسرعة فائقة وبحجم أكبر في مدي زمن أقل، وتوديع خدمة الجيل الثاني والثالث (2 G ــ 3 G) هي أهم ميزات الجيل الرابع بكل مواصفاته وميزاته وسهولة تطبيقه وسرعة إنجاز بنيته التحتية، إلا أن هناك أسباباً كثيرة ونزعات شره لدى شركات الاتصالات في دول العالم الثالث حيث تضعف القوانين ويكثر الفساد، تحول دون المضي في تنفيذ وتطبيق هذه الخدمة فوراً، ونخشى أن تكون هذه الأسباب موجودة لدينا، وتمارس شركات الاتصالات تعنتاً في التقيد بسرعة الانتقال إليها وإطلاقها.
> فعندما أطلقت هذه الخدمة في الدول المتقدمة قبل سنوات، تراجعت إيرادات المكالمات الصوتية التقليدية عبر الهاتف بشكل ملفت، واستعاض أغلب المشتركين عنها بالتطبيقات الجديدة عبر الإنترنت التي توفر خدمة الصوت ومكالمات الفيديو والتلفزيون الذي يعمل على نظام (HD) عالي الجودة والدقة، مع ملاحظة الفرق الهائل في الأسعار بين المكالمة الصوتية العادية والمكالمة عبر تطبيقات كثيرة وبعضها مجاني عبر الانترنت، فالبديهي إذن في حال توفر خدمة إنترنت سريعة ورخيصة ومضمونة فإن المشتركين بلا شك سيقل عندهم استخدام المكالمة العادية عبر النظم التقليدية المعروفة، وتتحكم أسعار خدمة الإنترنت مقابل أسعار المكالمات التقليدية في رحيل أعداد كبيرة وغير محصية من المشتركين إلى هذا النوع من الاتصالات، وقد كانت حتى وقت قريب لا تعطى الترخيصات للشركات التي تريد العمل في مجال الصوت عبر الإنترنت، حتى دهمت المجال كله انفجارات هائلة للتطبيقات المختلفة جعلت الصوت والصورة معاً أمراً ميسوراً.
> فأسعار خدمة الإنترنت مقارنة بالاتصالات العادية والسعات الواسعة والسرعة الفائقة هي القضايا التي ستحدد ما إذا كان عالم الاتصالات بشكله القديم والتقليدي قد غربت شمسه، وستتجه الشركات الكبرى لاستحلاب شبكات الفايبر والألياف الضوئية والكوابل البحرية والنهرية والأرضية والهوائيات اللاقطة لتعويض ما يمكن أن تخسره بانحسار خدمة المكالمات العادية المباشرة، ولا حاجة هنا للتعريف الفني الهندسي لما يعنيه ذلك فهو معروف لدى المختصين في هذا المجال.
> ولذلك هناك شكوك تثار هنا وهناك عن أن شركات الاتصالات لا ترغب في الانتقالات اليوم بسبب تراجع عدد المشتركين والخوف من سحب الجيل الرابع للبقية إلى العالم الفسيح دون عوائق ورسوم إضافية وتكلفة عالية للمكالمات.
فالشاهد هنا أن عالم الاتصالات المتحرك بسرعة الضوء في تطوراته، يمثل عاصفة بل إعصاراً قوياً يكتسح كل شيء أمامه ولا يمكن اللحاق به، فلو لم تتطور شركات الخدمة الاتصالية لمواكبة هذا التطور ووضع البدائل المناسبة والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة في أنظمة ونطاقات خدمة الانترنت، فإنها ستخسر مشتركيها النمطيين التقليديين مقابل حملة الهواتف الذكية عندما يكون الجيل الرابع لديهم هو إكسير الحياة وأوكسجينها.
> كذلك لا بد من الإشارة إلى متلازمات ضرورية، فالتوجه نحو الحكومة الالكترونية وحوسبة المعاملات والتحصيل الالكتروني على أوسع نطاق في بلد نامٍ كالسودان، سيجعل الاستثمار في مجال خدمات الانترنت والشبكات عبر الفايبر والشعيرات الضوئية التي تحمل البيانات وتوفر وتسهل استعمال الوسائط المتعددة، هو الاستثمار الأنجح والأكثر ضماناً ومواكبةً للمستقبل.
> ومن عجب.. بينما يحتدم الجدال والنقاش بين الفاعلين في هذا المجال، كانت تقارير محلية هنا من جهات ذات اختصاص تقول إن الانتقال إلى الجيل الرابع يحتاج إلى شهور طويلة قد تصل إلى عامين، بينما تقارير إخبارية تقول إن إحدى الشركات شرعت بالفعل في تغطية العاصمة وربما ولايات أخرى بأجهزة الجيل الرابع، وفي ذات المنحى تقول السيدة وزيرة الاتصالات إن العمل لم يتم الترخيص به بعد ويحتاج إلى إذن وتوسيع الشبكات وتقليل الاختناقات، وإن الانتقال إلى خدمة الجيل الرابع تحتاج إلى وقت يكفي لشراء وتركيب الأجهزة والمعدات. ويعني ما أشارت إليه الوزيرة أن الوقت مازال مبكراً على الأقل للانتقال الكبير إلى فضاء (G4) الذي ينتظره الناس بفارغ الصبر، فإذا كان السيد رئيس الجمهورية قد أشار قبل سنوات إلى أن قيمة الكلام والثرثرة لدى السودانيين عبر هواتفهم السيارة قد بلغت عدة مليارات من الدولارات، فإن السياحة والتحليق في عالم الجيل الرابع ستأتي بالجديد المثير الخطر!!

Exit mobile version