حراك واسع شهدته الولايات مع بدء تشكيل الحكومات الولائية الجديدة تمهيداً للمرحلة المقبلة، وسرت روح مختلفة في الأوساط السياسية في كل محليات وولايات السودان، في محاولة لتعيين حكومات تساهم بشكل مباشر في حل قضايا المواطنين وتوفير احتياجاتهم في محاولة لرتق النسيج الاجتماعي الذي تعرض للفتق بسبب النزاعات القبلية في بعض ولايات السودان.. وظلت مسألة تشكيل الحكومات الولائية أصعب امتحان خاصة وأن التشكيل الولائي يقع دائما تحت طائلة الولاءات السياسية المتأصلة والانتماءات الجهوية المتجذرة.. لكن هل تستطيع الحكومات الجديدة كبح جماح الجهوية والقبلية التي استشرت في جسد الحاكم والمحكوم؟
تم تشكيل معظم حكومات الولايات بعد أن اعتمدت اللجنة العليا التي شكلها حزب المؤتمر الوطني عدة معايير لاختيار حكومات الولايات التي اتفق عليها المكتب القيادي بالوطني والمتمثلة في إبعاد الذين تولوا حقائب وزارية في وقت سابق على مدار دورتين بالإضافة إلى اعتماد درجة البكالريوس كحد أدنى لاختيار الوزير، وحددت اللجنة شكل الحكومة الولائية بـ(8) وزارات لكل ولاية ومعتمدين اثنين لشؤون الرئاسة بالولاية مع بقية المعتمدين للمحليات الجغرافية وهذا ما يعطى مؤشرات إيجابية في ظل حالة اختبار الولاء السياسي لأعضاء الوطني في الولايات التي ساهمت في الفترات الماضية في جعل المركز في حالة قلق دائم بسبب الصراعات بين أعضاء الوطني في الولايات.
وعلى الرغم من كونها محاولة تحمد للمركز في سبيل ضبط الأداء الحكومي الولائي، إلا أنها ربما ستكون أكثر فاعلية لو تمت دراسة الأمر بطريقة أعمق ذلك أن أوضاع الولايات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تختلف كثيراً من ولاية لأخرى.
حالة من الرضا في كثير من الولايات بدأت تبرز عن التغيير الذي حدث في ولاياتهم خاصة وأنهم يعولون كثيراً على الوالي الذي لديه علاقات مع المركز لحلحلة القضايا ذات الطابع الاتحادي ومثال لذلك محمد طاهر إيلا الذي تم تعيينه بولاية الجزيرة وينظر إليه أهل الجزيرة بأنه المنقذ الوحيد لقضاياهم، خاصة في ما يتعلق بالتنمية والخدمات وتحريك المشاريع الكبرى كمشروع الجزيرة، إضافة إلى سرعة التحرُّك مع الحكومة الاتحادية لتوفير احتياجات ومطلوبات الموسم الزراعي والاستعدادات لفصل الخريف الذي بدأ.
كذلك الحال في بحر أبيض التي حظيت بدكتور عبدالحميد موسى كاشا الذي عرف بالحنكة في إدارة الشأن الولائي بتجربته الثرة في جنوب دارفور، وبحر أبيض التي تعاني من تكتلات تنهك جسدها المنهك أصلاً أريد أن يكون لها كاشا لحسم هذه الأمراض والنهوض بالولاية الزاخرة بالخير الوفير.
ومن جهته سرد والي ولاية جنوب كردفان اللواء الدكتور عيسى آدم أبكر التحديات التي تواجه حكومته في المرحلة القادمة التي أجملها في تحدي تحقيق السلام والتحدي الاقتصادي، التحدي الاجتماعي وتحدي معاش الناس، وتحدي التنمية والخدمات وأبان أن المركز وعده بالوقوف مع جنوب كردفان لخصوصيتها، واعترف الوالي بأن الولاية تنقصها خدمات المياه والكهرباء والتعليم وقال إن كل ذلك سببه الحرب وأضاف أن الضلع الأساسي في إنجاح برامج حكومته هو المواطن وقال “أنا أتيت للجميع ولكافة القطاعات” وتعهد بأن لا ينسى الفقراء والمساكين الذين تأثروا بالحرب.
بالمقابل قال والي ولاية غرب كردفان الجديد أبو القاسم الإمام بركة إنه تم وضع خريطة لإدارة الولاية في المرحلة المقبلة من عمر حكومتها الجديدة بقيادته ولخصها في تأمين مناطق الإنتاج النفطي وحسم الصراعات القبلية، ونشر قوات أمنية لتأمين الحدود مع دولة الجنوب كأساس للاستقرار والتنمية”
وأوضح “بركة” في حديثه لـ(smc) أن حكومة ولايته الجديدة التي تم تشكيلها مؤخرًا، ستعمل في محاور الأمن وتنمية المشاريع التنموية بالولاية، بجانب تأمين المناطق الحدودية مع دولة الجنوب التي تعاني من صراعات واضطرابات داخلية، وتابع “من أولويات حكومة الولاية القادمة تحقيق الأمن والسيطرة على الاحتكاكات والاشتباكات القبلية، بجانب الاهتمام بقضايا الخدمات ومعيشة المواطنين” مشيرًا إلى أن الولاية تحتاج إلى تعاون أبنائها كافة للخروج بولاية آمنة ومستقرة وناهضة.
التجربة الجديدة التي عمد إليها الوطني في تشكيل حكومات الولايات يبدو أنها بدأت تؤتي أكلها سريعا وأسفرت عن جهد مقدر من قبل اللجنة في التمحيص والتدقيق كفرصة أخيرة لاختبار المصداقية للمواطنين بالولايات.
ويقول الخبير في العمل الإداري والحكم المحلي محمد نور حامد إن أهم برامج حكومات الولايات الجديدة هو تقوية الجهاز التنفيذي الولائي وإصلاح الخدمة المدنية بجانب صناعة الواقع المنشود للمواطن والمتمثل في الأمن والاستقرار خاصة في الولايات التي تشهد نزاعات مسلحة بالإضافة إلى توفير الاحتياجات الأساسية من خدمات الصحة والتعليم وتوفير مياه الشرب والكهرباء وغيرها من الضروريات التي يحتاجها المواطن، ويضيف حامد “لو استطاع الولاة تخفيض نسبة الفقر وتحقيق الوقاية الطبية وخفض نسبة التسرب الدراسي ورفع نسب النجاح في التعليم العام وجعل المواطن يجد الحد الأدنى من الخدمات في مجال الصحة والماء النظيف والتعليم والكهرباء وتخفيف الغلاء لو استطاعوا ذلك، لوضعوا أرجلهم على الطريق الصحيح.”
رغم كل ما ذكر من مجهودات اتحادية وولائية في تشكيل الحكومات الجديدة إلا أنها ورثت تركة مُثقلة بالقضايا الشائكة وخزائن خاوية وأوضاعاً مُزرية وخدمة مدنية بائسة، في ظل ظروف مالية معقدة تعاني منها الدولة وتقف حجر عثرة أمام تنفيذ الكثير من المشروعات والخطط والبرامج، فهل تنجح الحكومات الجديدة في تجاوز الامتحان العسير المتمثل في القضاء على الجهوية؟ والوقوف إلى جانب المواطن؟
خـالد النـور
صحيفة اليوم التالي