يعيش الاستاذ البروفسور عوض ابراهيم عوض موقفا في غاية التعقيد..العوض ذكر أن سناتورا أمريكيا كان يعمل معه في ماليزيا أخبره أنهم في أمريكا ابتدعوا برنامج الهجرة المتنوعة (اللوتري ) من اجل استقطاب السودانيين..نساء ورجال تتبعوا مقولة البروفسور وأفادوا أنهم لم يجدوا في سجلات مجلس الشيوخ الأمريكي رجلا يحمل اسم جون ديفيز ..ولكن المشكلة لا تكمن في صحة ادعاء العوض أو خطله.. بل من الحساسية التي تم بها تداول الموضوع سلبا أو إيجابا ..صحيح أن هنالك زاوية مهمة تتعلق بما يتوقعه المواطن من رجل يحمل درجة الأستاذية في ترويجه لمعلومة ليست ذات أهمية فضلا عن أنها ليست دقيقة .
إلقاء الضوء على موضوع الهجرة المتنوعة، أو الهجرة العشوائية في رواية أخرى ،مهم في مقالتنا هذه..الفكرة بدأت في العام ١٩٩٠ ثم تطورت لتصبح قانونا في العام ١٩٩٥.. برنامج الهجرة المتنوعة يستهدف استقطاب أفراد من دول أخرى ليست بها جاليات كبيرة على الأرض الأمريكية .. التطور الزمني يؤكد ان الرؤية الامريكية كانت واضحة جداً..من البداية تم استثناء دول كبيرة مثل كندا والصين وبريطانيا العظمى والمكسيك من البرنامج.. بل في بعض الأحيان يتم حذف دول أو اعادة ضمها إلى القائمة مرة أخرى..بمعنى أن البرنامج الذي بلغ عدد المتقدمين له ثلاثة عشر مليونا ونصفا في العام ٢٠٠٨ لينافسوا في نحو( ٥٥) ألف فرصة دخول لأمريكا لا يمكن أن يخطط له فقط من أجل أعين السودانيين العسليات.
أغلب الظن أن الأستاذ عوض إبراهيم اهتم بروايته تلك ونشرها على قطاع واسع من السودانيين بسبب أنها تحمل مدحا للذات السودانية ..وليس الرجل وحده من ابتدر الاحتفاء بمثل هذه المقولات ..فقد سبق لراعٍ سوداني أن نال اهتماما شعبيا حين رفض ان يبيع إحدي الأغنام لزائر مريب يحمل كاميرا ..أغلب الظن فقد صدق حدس الراعي حينما بث الرجل الغامض مشاهد الحوار القصير علي (اليوتيوب) ومن بعدها صار الراعي الطيب رمزا لأمانة السودانيين المتعارف عليها في المشارق العربية.
مرات كثيرة يهتم السودانيون بمقال سطّره يراع كاتب خليجي مغمور..يتم تداول المقال في عدد من المنتديات السودانية ويجد رواجا في مجموعات (الواتساب) ..بل في أحيان كثيرة يصل إلى الصحافة الورقية بشعور :انظروا كيف ينظر إلينا أهل الخليج على نحو إيجابي ..يبلغ التناقض أبعد مدى إذا قام أحدهم بانتقاد السودانيين أو أشار الي أنهم كسالى أو أية صفة سالبة..سيتم لعن صاحب الرؤية الأجنبي رغم أنه مجرد رأي لا قيمة علمية له ،وغالبا ما بني على تجارب محدودة أو انطباعات شخصية..
في تقديري .. نحن نحتاج إلى مساحة أكبر من التسامح والتعامل المفتوح مع النقد الذاتي للشخصية السودانية.. كل الأمم والشعوب تستطيع إعمال النقد من أجل تصحيح المسار ..مثلا الألمان بعد تجارب مريرة اقتنعوا أنهم مجرد بشر مثل سائر خلق الله ..كل الشعوب التي تعلي من أسوار الوهم تعيش في أكذوبة كبري إلى حين يحدث الامتحان ويفتضح الحال.
بصراحة.. نحتاج إلى نقاش جاد ومفتوح حول الذات السودانية ..ليس من العيب أن نكتشف عيوبنا ونعالجها ..بل العيب أن نعيش في حالة إنكار ونرفض استخدام (المرآة ) او حتى الاستعانة بالأضواء الكاشفة ..