أثرياء السودان 5..!! عزيز كافوري.. الرجل الذي نجح فيما فشل فيه الانجليز..!!

عزيز كافوري.. الرجل الذي نجح فيما فشل فيه الانجليز..!!
شهد الرئيس نميري بنزاهته عندما قال: (وجدنا حسابات عزيز كافوري صحيحة وخالية من المخالفات)
دخل في مغامرة تجارية خطيرة وغسل أرض السودان من الملح
جاء إلى الخرطوم على ظهر شاحنة محملة بالخشب والحديد

عزيز كافوري السوري الجنسية الذي شهدت العاصمة اللبنانية بيروت صرخة ميلاده في العام 1874درس بالمدرسة الفرنسية في منطقة ناطورة بلبنان وهو في ريعان شبابه شد الرحال إلى أرض الكنانة ثم منها إلى الخرطوم، تقول سيرته إن الرجل جاء إلى السودان على ظهر شاحنة محملة بالخشب والحديد بعد أن أوعز له أصدقاؤه بأن العاصمة الخرطوم تشهد نهضة عمرانية وهي مدينة خارجة للتو من حرب ضروس خاضها السودانيون ضد الأتراك لتحرير بلادهم من صلف الاستعمار التركي.. شد عزيز الرحال إلى الخرطوم واستقر في بدايات حياته بالبلاد في العاصمة الوطنية أم درمان وهناك ابتسم له الزمان مبشره بأول صرخة ميلاد باكورته الأولى ابنه الأكبر الفريد ثم تنقل ما بين الخرطوم والخرطوم وسط وهو يمارس عمله التجاري وبعد أن توسعت أعماله التحق معه في العمل شقيقه الأكبر الأسكندر وأصبح ساعده الأيمن وساهم في تطوير أعماله لكنه توفي وبصورة مفاجئة في العام 1916وترك الفريد جرحا غائر في قلب عزيز لم يندمل حتى قبيل رحيله .
منافسة الانجليز .
لم يترك عزيز مهنته الأساسية ـ تجارة الخشب والحديد ـ ومواصلة عمله الذي شد الراحل من اجله إلى مقرن النيلين الخرطوم وقد كان يعمل في استيراد مواد البناء ويبيعها إلى المقاولين السودانيين وربما فطن كافوري إلى أن الخرطوم مدينة تحتاج إلى هذا النوع من التجارة باعتبارها مدينة لازالت في طور التأسيس بعد أن تعرضت لتدمير أمل أثناء الحرب ثم قام بإنشاء الفلل السكنية لإسكان الموظفين الانجليز في وقت كانت تحتكر هذه المهنة فئات المهندسين والعسكريين والمقاولين الأجانب بكلفة عالية، لكن عزيز دخل حلبة المنافسة لهذه الفئات مستفيداً من احتكاره للتجارة في مواد البناء واستيرادها من الإسكندرية إلى السودان وقام مؤخراً بإضافة مواد بناء محلية فتمكن عزيز من تشييد عدد كبير من المباني لازالت موجودة بالخرطوم حتى الآن، وبفضل العمل في مجال البناء والتشييد واستيراد مواد البناء توسعت أعمال عزيز كافوري بشكل كبير ثم أنشأ شركة بلدمور التي أصبحت من أكبر وأوائل شركات الاستيراد والتصدير في البلاد.
مغامرات خطيرة
فرصة ذهبية أغتنمها كافوري في وقت كان كثيرون يعتبرونها مجرد مغامرة من الرجل الذي عُرف وسط منافسيه بأنه تاجر مغامرات وصفقات تجارية لا يخشى من المجهول ويجيد التمريرات في خطوط التماس فبعد أن أعلنت شركة إنجليزية لإفلاسها بسبب الخسائر الفادحة التي تكبدتها في محاولة ري واستصلاح ألف فدان من الأراضي شرق محطة الخرطوم بحري حيث كانت الأرض غير جاهزة للزراعة والترع وتحوّل لونها إلى الأبيض لكثافة المياه المالحة، التقط عزيز كافوري القفاز وقام بشراء هذا المشروع بثمن بخس وقام بعمليات فلاحية معقدة ومكلفة استمرت سنوات عديدة عمل خلالها في غسل الأملاح من الأرض وتنظيم عمليات الري والفلاحة، في عملية ادهشت خبراء الزراعة بالبلاد آنذاك لأنهم كانوا يعتقدون أن تلك الأراضي لا يمكن أن تصبح صالحة للزراعة لكن الرجل اجرى عملية جراحية معقدة ودقيقة أفلحت في إزالة كافة الأملاح من الأراضي التي كلفت الانجليز الكثير من ضياع الوقت ومنيت شركتهم بخسائر فادحة لكن فيما يبدو أن الحظ ابتسم مرة أخرى للرجل في بلاد السودان وحول الأراضي من أراضي مالحة الى خصبة بفضل العمال السودانيين المهرة الذين قام كافوري بتحفيزهم على ما فعلوه في الأرض الجدباء وأنقذوه من مغامرة كان يمكن أن تفقده الكثير من أمواله التي صرفها على الأرض مما جعلهم يحفظون له فضل معرفتهم بالطرق المثلى للزراعة والحرث بعد أن خاضوا تجربة مرة استفادوا من تجربتها القاسية ليطوروا من قدراتهم وآلياتهم في فلاحة الأرض.
من الخشب والحديد إلى الزراعة والأبقار.
• في العام 1922م عندما أعلن الحكومة السودانية ـ في عهد الاستعمار ـ عن قيام مشروع الجزيرة كأكبر مشروع مروي في العالم، وكان عزيز كافوري قبل سبق الإعلان الحكومي بسنوات وقام بمضاعفة مساحة مزرعته بشراء 150 فداناً من الأرض الجيدة الواقعة بين مدينتي الحصاحيصا والمسلمية، إلا أن الأرض وبقرار حكومي أدخلت في مشروع الجزيرة على أن يتم تعويض صاحبها بمقابل مادي الشيء الذي دفع كفوري إلى أن يطلب من حكومة السودان أن تمنحه امتداداً لمزرعته ببحري شمالا باتجاه الكدرو، بدلا عن التعويض المالي مقابل أراضي الجزيرة التي نزعت منه ووزعت كحواشات للمزارعين الأمر الذي رحبت به الحكومة وعملت على تنفيذه فوراً وشهدت هذه الفترة تمدد كافوري في الأراضي الزراعية في السودان بفضل القرار الذي أضاف له رقعة زراعية أخرى حيث كان عزيز كافوري يقوم بزراعة حوالي ألف إلى ألفي فدان قطن سنويا حتى العام 1929م وقت حدوث الأزمة العالمية، بعدها تم التحول إلى زراعة القمح وتلاها التحول التدريجي لتربية ماشية البقر «الحليب» التي سميت « بلجرافيا» وقد ازدهرت تحت إدارة ابن عزيز «غبريال» وتطورت لتصبح مؤسسة متفردة كانت تمد حوالي 2000 مشترك بالألبان ومشتقاتها في جميع أرجاء العاصمة المثلثة . وكانت تضم اكثر من الفي رأس من الماشية وتجري فيها يوميا عمليات الحليب وكان هنالك ما يعرف «بالحَلْبة» وكل حلبة تضم 480 بقرة في الصف الواحد وكانت عمليات توزيع الألبان تتم بواسطة ست عربات تقوم بتوزيع الحليب بعد أن يعبأ في زجاج ويوزع على البيوت مباشرة وفي العام 1981م قامت الحكومة للمرة الثانية بإصدار قرار في حق ممتلكات عزيز يقضي بتحويل المزرعة البالغة مساحتها 3000 فدان إلى أراضي سكنية مميزة، إلا إن طيلة الأعوام التي خلت من صدور القرار تم تحويل حوالي 50 فداناً فقط وبصورة متدرجة إلى أراضٍ سكنية وقد أدرجت عملية تخطيط المدينة الجديدة المقترحة في مصاف العمليات الكبرى، إذ إن المساحة التي يزمع تخطيطها تفوق مساحة الخرطوم الأصلية مضافا عليها الخرطوم «1» والخرطوم «2» والامتداد .وحسب الرواية التي ذكرها التجاني حسين دفع السيد في كتابه تجارب رجال الأعمال السودانيين أنه تم الانتهاء من عمليات التخطيط في خمسة أشهر وتوجت بتوقيع اتفاقية في22/5/1981م واتبعت بعمليات مسح في الأعوام 1982 / 1983 لتبقى المدينة الكافورية حلماً يداعب آل كفوري بعد أن قضى القرار بتحويل المزرعة إلى أرض سكنية، ليفقد آلاف العاملين معاشهم وذكرياته وتفقد المدينة الخضرة والجمال ويسودها ترقب وانتظار لخدمات قد يطول انتظارها أو يقصر
شهادة نزاهة رئاسية .
لم يسلم عزيز كافوري من قرارات المصادرة والتأميم التي قام بها النظام المايوي بقيادة جعفر نميري بعد انقلاب 1969في بداية السبعينيات وقد قامت السلطات حينها بمصادرة جزء كبير من أملاكه بما في ذلك المزرعة ومعمل الألبان وامتدت فترة مصادرة أمواله لثلاث سنوات ثم قام الرئيس جعفر نمير بإصدار قرار رفع بموجبه المصادرة عن أموال عزيز كافوري وذكر في حيثيات القرار أنهم وجدوا حسابات عزيز كافوري صحيحة وخالية من المخالفات.

التيار

Exit mobile version