> تحركات في الخفاء تجرى هنا وهناك في المحيط الإقليمي والقاري، لإحياء موات العمل العسكري المعارض من جديد ونفخ الروح في التمرد الذي نفق، بعد تجميع صفوفه ورتق فتوقه الكثيرة، وتلعب قوى إقليمية ومن خلفها دوائر غربية دوراً بارزاً هذه الأيام لتنظيم صفوف الحركات المتمردة وجرها مرة أخرى إلى ساحة الحرب بعد أن خرجت منها منهزمة تجرجر أذيال خيبتها، فحركة العدل والمساواة التي شبعت موتاً ولا سبيل لعودتها قد خرجت من اللعبة لكن أفراداً منها وبقايا جيشها تتم محاولة دمجها في حركة أخرى في محاولات لإقناع رئيس دولة مجاورة له تأثير سابق على هذه الحركات، لتذليل وتسهيل هذا التجميع من جديد وتطويع من تبقى من هذه المجموعات المتمردة وجعلها تعمل وتمر!!
> لنفهم ما يجري الآن علينا قراءة الواقع الماثل بشكل دقيق، فالتحولات في المنطقة مرتبطة ببعضها البعض، فدولة جنوب السودان التي تجري فيها تسوية سياسية، الغرض منها ليس الجنوب نفسه كما يتبادر للوهلة الأولى، فهناك أولويات للقوى الغربية تفوق إنقاذ دولة الجنوب من عثراتها وكبواتها ومصيرها المجهول.. فالاهتمام بالملف السوداني وسرعة تأزيمه وتحقيق نتائج عاجلة فيه في هذا التوقيت قبل نهاية العام، هو ما تقوم به دوائر غربية نافذة تعمل على ترتيب المنطقة وإعادة تركيبها وتشكيلها كما هو مخطط لها.
> فقبل أيام تزامنت مع إعادة باقان أموم للأمانة العامة للحركة الشعبية، كانت هناك ترتيبات وتنسيقات في غاية من السرية تجرى بين عاصمتين مجاورتين للخرطوم لتفعيل العمل المسلح في دارفور عبر الحركات بعد بنائها على أساس جديد وفاعل كما ترى العاصمتان، وبالفعل تم الاتصال بقيادات من الحركات تمهيداً لمصالحة تحدث بين إحدى العاصمتين وقادة الحركات التي غادرتها من فترة طويلة وفتح الطريق للتعاون من جديد وغض الطرف عن أي نشاط معارض يخترق حدودها يأتي من تجاه الشمال الغربي للسودان، وقد تمت مقايضة بين نظام جديد يعاني من تعقيدات وضعه الداخلي عمل على معالجة موضوع يتعلق بمعارضي العاصمة الأخرى، نظير التعاون والعمل غير المعلن لدعم تمرد دارفور في نسخته الجديدة.
> وتترافق هذه الخطوات مع إنعاش عودة باقان لآمال الحركات المتمردة السودانية وهي تنتظر الدعم المالي والعتاد الحربي والإيواء ومعسكرات التدريب بشكل أكبر مما كان، ولتنسيق جهودها المشتركة والدعم اليوغندي ومن جهات أخرى، والتجهيز لما بعد فصل الخريف.. وتتناقل في هذه الأجواء معلومات كثيرة مفادها أن الصفقة التي عادت بباقان أموم مرة أخرى ذات صلة وثيقة بما يجري في السودان وما يراد له أن يحدث خلال الفترة المقبلة بعد ترتيب البيت الجنوبي من الداخل، خاصة ما يتعلق بأحكام سيطرة الحركة الشعبية على القرار السياسي في دولة الجنوب.
> وليس بخافٍ أيضاً أن الفاتورة التي ستدفعها الحركة الشعبية في هذا الجانب ستكون كبيرة وعلى حساب علاقتها مع السودان، فعما قليل من الوقت ستتحرك ماكينة الدعاية الجنوبية الصادرة عن الحركة الشعبية بالاتهامات والأكاذيب ضد السودان، وسينفث باقان سمومه متهماً الخرطوم اتهامات باطلة لتبرير الدعم المقدم من جوبا للحركات المتمردة وقوات الحركة الشعبية قطاع الشمال، وفي المسار الآخر سيبدي قطاع الشمال تعنتاً في الذهاب والجلوس إلى طاولة المفاوضات قريباً لإرباك المشهد كله واللعب على حبال الوقت عسى أن يتحقق ما يُراد تحقيقه.
> وتتوقع مصادر سياسية إفريقية في الجوار السوداني، أن تعجز الدوائر المتربصة بالسودان عن فعل شيء ذي أثر بسبب حالة الفوضى التي ضربت الإقليم، والضعف والهزال الذي تعاني منه حركات دارفور المتمردة، ونضوب موردها البشري وفقدان الرغبة لدى من تبقى من مقاتليها في مواصلة حرب لا طائل تحتها، فضلاً عن كون المعين والسند في بعض الحالات غير مقتنع بأن النتائج مضمونة.. لكن هذا لا ينفي أن هناك من يرى تحت الرماد وميض نار يُخشى أن يكون لها ضرام.