وميض نار تشتعل في جوف مكونات تحالف المعارضة، وتحديداً قوى نداء السودان؛ فالمهدي يتحرك لإنجاز مشروع تحالفه الجديد، والطبخة تنضج على نار هادئة، غير أن أبرز ملامحها ما كشف عنه الرجل عن ترتيبات تمضي لإطلاق تحالف سياسي جديد تحت اسم “قوى المستقبل”، يعمل لحشد انتفاضة شعبية بجانب خيار الحوار الوطني كبديل عبر وساطة دولية.
///////////////
*مصادر: المهدي اجتمع مع إبراهيم الشيخ لإكمال الطبخة
*محمد المهدي: التكتل الجديد أكثر شمولية ببرنامج حد أدنى ذي بعدين داخلي وخارجي
*بكري يوسف: مشروع “المستقبل الوطني” قيد الدراسة ويمثل حلفاً بديلاً
وقال الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي، في حوار أجرته معه “العرب”، في القاهرة، إن المعارضة السودانية تعمل على إطلاق تحالف سياسي لقوى “مستقبل وطن” والحشد لانتفاضة ربيع السودان ضدّ النظام، وأضاف أن المعارضة السودانية تسعى لتوحيد القوى في اتحاد تحت مسمى “قوى المستقبل الوطني”، وهي قوى نظمت حملات شعبية قوية، مثل حملة “ارحل”، و”كفرنا” وقوى شبابية ومنظمات تمثل المجتمع المدني، لخلق تحالف سياسي واسع، يستهدف حشداً شعبياً لانتفاضة ربيع سوداني. وحول الاحتمالات البديلة حال فشل الانتفاضة، قال المهدي: “نعمل على أجندة أخرى موازية، وهي الحوار الوطني، عبر وساطة دولية”.
المهدي سبق أن وقع مع آخرين اتفاق باريس الذي جمع الجبهة الثورية وحزب الأمة، ولاحقاً أبرم اتفاق “نداء السودان” بأديس أبابا في خواتيم العام المنصرم الذي جمع كلاً من “حزب الأمة والجبهة الثورية وتحالف قوى الإجماع الوطني وكونفيدرالية منظمات المجتمع المدني”؛ لكن مقترحات المهدي بشأن إعادة هيكلة تحالف قوى الإجماع الوطني قوُبلت بالرفض. وتفيد متابعات (السوداني) أن ذات مقترحات المهدي بإعادة هيكلة نداء السودان لم تجد استجابة، ومن غير المستبعد أن فشل ذلك هو ما دفع المهدي للتفكير جدياً في تكوين جسم جديد يمتلك فيه زمام المبادرة والقيادة.
وتفيد متابعات (السوداني) أن المهدي وضع رؤية عملية لبناء تحالف جديد قوامه حزب الأمة وبعض الأصوات الناقمة داخل تحالف قوى الإجماع الوطني، بجانب مكونات الجبهة الثورية والمجموعات الشبابية الداعية للتغيير. وتضيف المصادر أن المهدي عقد اجتماعاً مشتركاً بينه وزعيم حزب المؤتمر السوداني إبراهيم الشيخ للتشاور في الجسم الجديد.
تكتل ضاغط
ويقول نائب رئيس المكتب السياسي لحزب الأمة القيادي د.محمد المهدي حسن، إن تحالف قوى المستقبل، هو عبارة عن تكتل جديد لتأطير اتفاق نداء السودان، ليأخذ شكل تكتل ضاغط جامع لكل مكونات نداء السودان ويقوم على برنامج حد أدنى يسمح فيه للمكونات بالاحتفاظ بهيكلتها. ويضيف حسن لـ(السوداني) أن التكتل الجديد أكثر شمولية ببرنامج حد أدنى ذي بعدين داخلي وخارجي: داخلياً يتولى عملية التنسيق بين كافة المكونات؛ وخارجياً يشرح قضية السودان للفاعلين في الشأن السوداني. وعلى الرغم من أن المبادرات والتكوينات الجديدة ظلت ملازمة لمسيرة حزب الأمة، وتكاد تكون صكاً حصرياً للسيد الصادق منذ اتفاق جيبوبتي والتراضي وصولاً لباريس وأديس وحتى نداء السودان، إلا أن مراقبين يتهمون المهدي بأنه وراء بذرة “الفرتقة” التي أصبحت سمة ملازمة للأندية السياسية، فما إن تتوحد الكيانات السياسية حتى تجد في اليوم التالي إعلاناً لميلاد جسم جديد، مع اختلاف الأسماء فقط، لكن القيادي بحزب الأمة محمد المهدي حسن يقول لـ(السوداني) إن المشاورات للتكتل الجديد بدأت منذ نداء السودان، واُقترحت حينها لجنة “خماسية” تنسيقية عليا تمثل أضلاع نداء السودان الأربعة، بإضافة سيدة يختارها هؤلاء الأربعة. ووفقاً لحديث محمد المهدي، فإن المولود الجديد يعتبر امتداداً للأجسام القديمة.
المهدي والشيخ
يوجد هذه الأيام بقاهرة المعز رئيس حزب المؤتمر السوداني إبراهيم الشيخ. ووفقاً لما رشح من معلومات، فإن الشيخ والمهدي التأم بينهما اجتماع مشترك تم فيه الاتفاق على إطلاق جسم سياسي جديد “تحالف قوى المستقبل” بقيادة المهدي والشيخ وآخرين، وفي الوقت الذي أكد فيه القيادي محمد المهدي حسن مقابلة الشيخ للمهدي بالقاهرة، ولم يستبعد مشاورات في الجسم الجديد، إلا أن الناطق الرسمي باسم المؤتمر السوداني بكري يوسف يقول لـ(السوداني) إن زيارة الشيخ إلى القاهرة زيارة شخصية وأسرية لقضاء إجازة مع أسرته، لكن هذا لا يعني أنه لو أتيحت له فرصة للالتقاء سيرفضها. ويؤكد يوسف أن العمل السياسي لا يقوم على “المصادفات”، وإنما بترتيبات وعمل سياسي تقوم به مؤسسات الحزب، ويضيف: “توصلنا لأن نوقع مع القوى السياسية وشركاء المجتمع المدني “نداء السودان” وتحدثنا كثيراً مع المهدي”، مشيراً إلى أن مشروع “المستقبل الوطني” قيد الدراسة ومعنية به قوى نداء السودان ويمثل حلفاً بديلاً، لكنه يؤكد على تمسكهم بنداء السودان، وهم غير معنيين بالرد على أي تخمينات سياسية، فيما يعزو المحلل السياسي الصادق الزعيم فكرة تحالف قوى المستقبل إلى رغبه المهدي في استيعاب القوى الشبابية الجديدة، لكنه يتوقع أن تصطدم بالتغييرات التي تجري بالبلاد، ويضيف لـ(السوداني) أن المطلوب آليات عمل جديدة وفقاً للمتغيرات وليس تكوينات جديدة، مشيراً إلى أن تحركات المهدي ما هي إلا محاولة لملء الفراغ.
هجوم لاذع
تحت رماد قوى الإجماع الوطني نار مشتعلة منذ فترة، ولكنها من كل حين لآخر تخرج للعلن لعدة أسباب موضوعية، وإن أغلب الأحزاب التي تجمعها قوى الإجماع هي في الأساس بينها تباينات فكرية وأيدولوجية مختلفة، وفي فترة من الفترات جمع بينها العمل على إسقاط الحكومة، ولكن ليس كل هذا الإجماع، حيث فارق حزب الأمة القومي هذا الأمر عندما دعا لنظام جديد وليس للإسقاط بشكل كلي، ليتوسع الفارق بينهما ويلحق الشعبي به أيضاً. وحزب الأمة ورئيسه السيد الصادق المهدي منذ خروجه على قوى الإجماع الوطني ظل يتحرك على كافة الأصعدة، لبلورة كيان جديد يعتلي المنصة فيه، وحينما وقع إعلان باريس مع الجبهة الثورية، وقتها سدد إليه رئيس قوى الإجماع الوطني فاروق أبو عيسى هجوماً لاذعاً. ويبدو أن أبو عيسى حينها شعر بالخطر الشديد على تماسك قوى المعارضة، وهو ما دفعه في مؤتمر صحفي شهير بدار الحزب الشيوعي عقب توقيع إعلان باريس، لأن يعطي إشارة صفراء تحذيرية لأشخاص فاعلين في الجبهة الثورية بجانب حزب الأمة، وقال إنهم يحاولون إعادة تشكيل الخارطة السياسية المعارضة، حيث قال أبو عيسى إن أطرافاً في الجبهة الثورية – لم يسمها – غير راضية عن تحالف قوى الإجماع الوطني، وتعمل على صرف الأموال لتدمير التحالف.
التحالف الجديد
مطالبات حزب الأمة بإعادة هيكلة التحالف ليست وليدة اليوم، فمنذ خروجه ظل يعمل مع القيادي في الجبهة الثورية التوم هجو لإعادة هيكلة التحالف وعودة الأمة والشعبي، ولكن بشكل مختلف حيث وصل “الأمة” لنتيجة تقضي بضرورة “فرتقة” قوى الإجماع وقيام تحالف جديد يكون هو مهندسه وقائده، بعد أن فشل في خططه التي قدمها سابقاً لقوى الإجماع بإعادة تشكيل التحالف، وأن يكون الصادق المهدي رئيساً لهذا التحالف، لذلك بدأ اتصالات مع عدد من الأحزاب داخل قوى الإجماع، ومنها التحالف الوطني السوداني بزعامة العميد (م) عبد العزيز خالد، بجانب المؤتمر السوداني بزعامة إبراهيم الشيخ، بالإضافة لأحزاب الحركة الاتحادية، إذ تم الاتصال ببعضهم وعقدت اجتماعات في دار حزب الأمة، وكان مخططاً أن يتم إعلان هذا التحالف الجديد، لكن انهار كل شيء فور رفض المؤتمر السوداني والتحالف السوداني الانخراط في عمل يقسم قوى المعارضة، وعرف حزب الأمة أنه إذا أعلن تحالفه الجديد من غير قوى سياسية مؤثرة فلن يأتي أثر منه، حيث يريد المهدي أن يقوي جبهة إعلان باريس بإضافة قوى سياسية معارضة، ويسوق نفسه للجبهة الثورية حتى ينخرط في أية فرصة حوار بهذا السند الكبير، ولكن هذه الخطة فشلت وقتها. ويبدو أن المهدي وضع سيناريو جديداً يعتمد على “شك” الأوراق وإعادة فرزها من جديد، وهذا من شأنه أن يقرب أجساماً كانت بعيدة، بما يضمن إعادة ترتيب المسرح السياسي بمعادلات جديدة.
خلافات قديمة
منذ فتح باب الحوار في خواتيم يناير 2014م برزت تكتلات داخل قوى الإجماع الوطني الأولى كانت رافضة للحوار بشكل قاطع يقودها الحزب الشيوعي والبعث وتجد الدعم من فاروق أبو عيسى، وقوى أخرى كانت تؤيد الحوار مثل حزب الأمة القومي والمؤتمر الشعبي، ولكن بعد توقيع اتفاق أديس أبابا الأخير تصدعت الكتلة التي كانت تتحفظ على الحوار وترفضه بشكل قاطع، حيث رحب جزء منها باتفاق أديس أبابا باعتباره يحقق أحد مطالبها الأساسية، بأن تكون الجبهة الثورية أحد الأطراف الأساسية في الحوار، ولكنَّ جزءاً من هذه الكتلة متحفِّظ على اتفاق أديس لدوافع مختلفة، مثلاً الحزب الشيوعي لا يعترض على اتفاق أديس من حيث المضمون، ولكن يريد إضافة مزيد من الإجراءات والضمانات الخاصة بالحوار، بجانب أن الأحزاب البعثية بخلاف البعث السوداني لديها موقف من الدخول في أي حوار، وأنها لن تكون جزءاً منه.
مستقبل التحالف
أخطر ما في هذه الخلافات أنها وصلت لمرحلة “كسر العظم” ونشر “الغسيل” على الملأ، بجانب الاتهامات بتلقِّي أموال، وهذا يؤثر على شكل المعارضة وسيفتح الباب لمزيد من الاتهامات، إذا لم تحل هذه الأزمة بشكل مرضٍ لكل الأطراف. ولعل أبرز محطات الخلاف داخل قوى الإجماع بين البعث والمؤتمر السوداني، حينما اتهم الأول الثاني بالسعي للدخول في تسوية مع النظام، ورغم عدم ثبوت الخارطة السياسية، فمن المرجح أن تستمر العلاقة داخل قوى الإجماع الوطني بهذا الشكل خاصة بعد خروج المؤتمر الشعبي والتحاقه بالحوار وخروج حزب الأمة وسعيه لتشكيل تحالف جديد ومسار آخر مع الجبهة الثورية، وأن أغلب الأحزاب المتبقية في قوى الإجماع متقاربة في أجندتها إذا استمر موقفها من الحوار بما هو معلن الآن.
أما حزب الأمة من المتوقع أنه سيواصل في خطه السياسي الذي يسعى لتحسين شروط الحوار فقط، وهو يضغط في هذا الجانب. وفي هذا الإطار جاء تحالف المهدي مع الجبهة الثورية وأعطاه اتفاق أديس أبابا إشارة بأنه يسير في الطريق الصحيح، لذلك قد يواصل في بناء تحالف “تكتيكي” مع الجبهة الثورية والسعي مع أحزاب المعارضة في الداخل لضمها لتحالفه ليس في سبيل التغيير، وإنما تحسين ظروف التفاوض، وكسب مزيد من التنازلات. أما المؤتمر الشعبي فخياراته ما تزال صعبة حيث دخل في عملية الحوار ويعزى ذلك لأبعاد إقليمية كانت عاملاً لاستمراره فيها، ولكن قد يسعى لاتخاذ خطوات تصعيدية إذا لم يقدم المؤتمر الوطني عرضاً جاداً، وربما طرح “النظام الخالف” أحد أهم سيناريوهات المحاصرة للحزب الحاكم، ومن هنا يمكن النظر إلى أي تحالف جديد لم تشارك فيه الأطراف الرئيسية في قوى الإجماع، سيكون أقرب لوضعية أحزاب حكومة الوحدة الوطنية التي عرفت باسم أحزاب التوالي السياسي، باعتبارها ستكون لافتات لأحزاب غير موجودة على الأرض.