إن السؤال الذي ظل يراود الإنسان منذ آلاف السنين عن أصله لم يكن بإستطاعته أن يجيب عليه إلا من خلال بعض التعاليم الدينية والمناهج الفلسفية المختلفة ، لذلك ما كان عليه إلا أن ينتظر حتى العصر الحديث الذى توفرت فيه معطيات تعينه على فهم نفسه مرتكزاً على مصادر أخرى غير الدين والفلسفة تتيح له التأمل في بداية خلقه ووجوده ومراحل تطوره ونقاط الإلتقاء والإفتراق مع بني جنسه والاجناس الأخرى التي تشاركه هذا الكوكب .
جاء داروين بكتابه (أصل الانواع ) في العام 1859 في إنجلترا و كانت ردة الفعل قوية مابين مؤيد ومعارض لنظريته التي لا تحمل في طياتها سوى إيحاءات عن أصل الإنسان .
أخذ البشر يحاولون الإجابة على هذا السؤال بالحاح (ما هو اصل الانسان؟ ) ، وقد قادهم ذلك السؤال إلى أسطورة النقاء العرقي للجنس الأبيض الذي أشعلها الاوربيون لإستعمار شعوب آسيا، وإفريقيا ، وأمريكا بحجة أن شعوب هذه المناطق بطيئة التفكير ولا تستطيع القيام بامرها لوحدها وهي تحتاج إليهم لتحسين حياتها إلى الافضل.
وفي سبيل ذلك إتخذ العلم الحديث موضوع الجينات الوراثية إحدى السبل التى يمكن أن يهتدى بها لفهم التاريخ البشري للإجابة على السؤال الجوهري “من نحن؟؟”
وفي البحث عن الإجابة أصدرالبروفيسور لويجي لوكا كافللي إيطالي الجنسية كتاباً أسماه ( في الشتات : تاريخ التنوع الوراثي والهجرات البشرية الكبرى ) أورد فيه أن أصل الإنسان يعود إلى إفريقيا ، ولقد ترجم البروفيسور منتصر الطيب أستاذ علم الوراثة الجزئية في جامعة الخرطوم وعضو المجلس الإستشاري لمركز بناء الامة للبحوث والدراسات هذا الكتاب وألف كتاباً آخر أسماه تشريح العقل العرقي .
وبما أن مهمة العلم الاساسية هي كشف الحقيقة وتبيينها للناس قام الدكتور هشام يوسف الحسن بإجراء مسح جيني لسكان السودان وأوضح بطلان أسطورة النقاء العرقي .
ذكر البروفيسور منتصر ان كل الإثنيات البشرية أصلها واحد وهذه الفوارق العرقية لا صلة لها بالهوية الإنسانية ، وان أصل البشرية بدأ من السودان ، مشيرا الى ان أهم الإكتشافات التي قادت لبقاء الإنسان وإستمرار حياته ( الرعي – والزراعة ) أكتشفت في السودان .
وفي ما يتعلق بالقبائل السودانية قال إن هناك قواسم مشتركة بين كل قبائل السودان وهذا ما أكدته نتائج أبحاث عالم الوراثة الإيطالي لوكا فيللي الذي قال إن أهمية الخريطة الجينية للسودانيين بالنسبة لبقية سكان العالم تنبع من أن السودانيين يرجع إليهم من ناحية جينية كل البشر في العالم ، وما يميز هذه الخريطة الجينية هما عنصري القدم والتواصل المستمرين حيث ثبت أن 90% من النساء السودانيات يحملن جينات متصلة دون إنقطاع منذ مائة ألف عام .
وأخذ بروفيسور منتصر مثالاً آخر مفاده أن هناك جماعة عرقية يسمون (باللابس ) تعيش شمال النرويج ليس من ثمة شعب في العالم يحمل صفاتهم الجينية غير السودانيين ، ويوجد في السودان كل الطفرات الجينية في العالم ، بإختصار السودان حلف مختصر لتاريخ العالم .
بقلم : مصطفى حسين
الخرطوم ( سونا )