هل يستقيل “معتز موسى” من وزارة الكهرباء في خريف الأزمات؟؟

نفذت السلطات الأسبوع الماضي عقوبة الجلد على أحد قيادات حزب المؤتمر السوداني المعارض بقيادة “إبراهيم الشيخ” ونفذت عقوبة الجلد على القيادي “مستور” ليحتدم الجدل السياسي في الشارع العام وفي الأسافير عن مشروعية تلك العقوبة؟؟ وهل تستخدم الحكومة في قادم الأيام سلاح العقوبات الشخصية المهينة!!
لإذلال خصومها.. والحض من قدرهم لكسر شوكة المعارضة؟؟ بدءاً فإن حزب المؤتمر السوداني الذي يقوده “إبراهيم الشيخ” يعتبر اليوم رأس الرمح في المعارضة بالداخل وأكثر الأحزاب المعارضة نشاطاً في الجامعات والشارع العام، وفي وسائل الإعلام حتى بدا كأن “الشيخ” في طريقه لوراثة كل التيار اليساري في السودان حيث صار حزبه ملاذاً لليائسين من (كلاسيكية) الحزب الشيوعي.
ونمطية حزب البعث العربي الاشتراكي.. وتمدد الحزب نحو قواعد حزب الأمة القومي الحائرة ما بين طموحات الإمام الشخصية ونزعة د.”مريم الصادق” اليسارية.. وفي الانتخابات قبل الماضية اقترب “إبراهيم الشيخ” من دخول البرلمان حيث نافس بشدة في دائرة النهود ولولا إن منافسه كان “سالم الصافي حجير” لدخل “إبراهيم الشيخ” قبة البرلمان بعرق الجبين وخدمة الضراع.. والآن أغلب الناشطين في الندوات وتوزيع المنشورات والمخاطبات الجماهيرية هم منسوبي حزب المؤتمر الوطني السوداني.. وقد حبست الحكومة القيادي في الحزب “مستور” ثم قدمته للمحاكمة بتهمة (إزعاج السلطات) وقد حكم عليه بالجلد مثل بائعات الخمور البلدية.. وعتاة المجرمين.. وأثارت الحادثة مخاوف المعارضة بأن تصبح عقوبات (الجلد) هي البديل عن الحبس والاعتقال.. وهي عقوبة لا يقرها القانون الإنساني، وقد تم إلغاء عقوبة الجلد في البلدان الأوروبية باعتبارها عقوبة (مهينة) تنتقص من قدر الإنسان.. ولكن السودان دولة تطبق الشريعة الإسلامية التي تعتبر عقوبة الجلد حداً من حدود الله.. ولكن هل ورود عقوبة الجلد في نصوص الشريعة تبرر استخدامها في الجرائم دون الحدية؟؟
قديماً قيل كل دور إذا ما تم ينقلب!! ولأهلنا في البادية مثل يقول (الدرب التجي راكب بتجي بيه ماشي على رجليك) وحرياً بالحكومة وهي ممسكة الآن بتلابيب السلطة.. وتفعل بالرعية ما تشاء.. والمعارضة ضعيفة لا خيل عندها تهديها ولا مال، عليها أن تتذكر أن الأيام بين الناس دولاً ومن سره زمناً ساءته أزمان). وعقوبات الجلد التي تنفذ الآن بحق المعارضين في قضايا ليست حدية ستفتح أبواباً يصعب إغلاقها.. وتغذي النفوس بالضغائن والأحقاد والأحن.. و(تسن سنة) ردع المعارضة بكل الوسائل الفظة.. وقد كان الرئيس الأسبق “جعفر نميري” رؤوفاً رحيماً بالمعتقلين حريصاً على إحترام حقوق الإنسان قبل أن تصبح حقوق الإنسان في الغرب عقيدة جديدة.. ودين وشريعة مجتمع.. يطلق “جعفر نميري” الراحل “صموئيل أرويول” من السجون.. وتحمله الطائرة بتذكرة تتحمل نفقاتها الحكومة إلى مدينة واو.. ويتم منحه سيارة لاندروفر لتحمله لمسقط رأسه في بور احتراماً وتقديراً لرجل معارض من أسرة كريمة.. ووالده أحد كبار أعيان قبيلة الدينكا.. ويأمر “جعفر نميري” في زيارة مع “زين العابدين محمد أحمد عبد القادر” إلى سجن كوبر بإطلاق سراح (25) سجيناً دون السؤال عن خطورتهم على نظامه، وقد وردت في كتاب (مايو سنوات الخصب والجفاف) قصص إنسانية عن “جعفر نميري” ولم تشهد سنوات الحكم المدني والديمقراطي تعديات جسيمة على حقوق الإنسان بطبيعة النظام الديمقراطي والقيم الأخلاقية الضابطة للممارسات فيه، ولكن سنة جلد المعارضين بالسياط في المحاكم العامة تمثل بادرة جديدة.. تفتح في جسد الوطن جروحاً يصعب الشفاء منها.. وتجعل من بيده السلطة يفعل في الناس ما يشاء.. وتلك من مخازي الأنظمة التي لا تستقر على ثوابت من القيم.. وإن كانت الأجهزة القضائية (منوط) بها تطبيق القانون والحكم بالحيثيات التي أمام القاضي بغض النظر عن من هو الشخص الذي يخضع للمحاكمة، فإن الإرادة السياسية العليا في الدولة بمقدورها وقف محاكمة المعارضين بالجلد والعقوبات البدنية بتقديرات سياسية للآثار الناجمة عن مثل هذه العقوبات.. ولكن الإرادة السياسية في كثير من الأحيان مغيبة وتقرأ بعض الأحداث في الصحف مثل عامة المواطنين. والآن يتم محاكمة اثنتي عشرة فتاة من المسيحيات من جبال النوبة بدواعي ارتداء ملابس فاضحة خادشة للحياء العام.. وهنا يبدو أن حكومتنا لم تتعلم من تجارب الأمس.. ولا تتعظ بالتجارب التي مرت بها، وتعيد إنتاج أزمة الطبيبة “أبرار” مرة أخرى.
ولا تعتبر من قضية (بنطال) “لبنى” والدول الغربية الآن تراقب وتنتظر ما تسفر عنه محاكمة الفتيات اللاتي ربما ينتظرن محاكمتهن بفارق صبر حتى (ينلن) حظهن من الجلد لتفتح لهن أبواب الهجرة واللجوء للفاتيكان والولايات المتحدة الأمريكية.. وتتم إدانة الحكومة السودانية في المحافل الدولية بسبب تصرفات أفراد وأجهزة لا تعي ما يترتب على سلوكها من أضرار بحق الإسلام والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. ومتى تتعلم حكومة السودان من تجربة الإسلاميين في تونس وتركيا.. وكيف فكر “راشد الغنوشي” وقدر مطلوبات المستقبل على حساب الكسب الآني.. وهو يتنازل عن بعض الحقوق السياسية، ويتخلى عن رؤية حزبه مؤقتاً من أجل الغد الأفضل.. إن الضيق بالمعارضة إلى حد جلدها بالسياط يفتح أبواب العنف على بلادنا ويغذي النفوس بالأحقاد والمرارات. ليت جلد الأمين العام لحزب المؤتمر السوداني أصبح تصرفاً معزولاً تكف عنه الحكومة من بعد بتوجيهات معلنة من أجل حقن الساحة السياسية (بكلسترول) التعافي والتسامح ونزع غلواء الأحقاد وشح النفس.
اعترافات “معتز موسى”
“معتز موسى” وزير الكهرباء والموارد المائية من القيادات الواقعية التي دائماً تنتصر لضميرها المهني حتى لو كان ذلك على حساب التزامها السياسي كوزير ينبغي له تجميل الواقع و(التبشير) وليس (التخويف). وقد اعترف “معتز موسى” بأن إنتاج سد مروي من الكهرباء لا يغطي احتياجات العاصمة الخرطوم حتى لو عمل السد بطاقته القصوى البالغة (1250) ميقاواط من جملة الإنتاج البالغة (2500) ميقاواط.
وربط الوزير انقشاع أزمة القطوعات المستمرة هذه الأيام بحلول فصل الخريف الذي تأخر كثيراً وسط مخاوف من حلول سنة قحط وجفاف على بلادنا.. وحتى لم يبلغ متوسط هطول الأمطار ما دون المتوسط.. وقد أعلنت هيئة الأرصاد الجوية التي درجت على إصدار نشرات عن المناخ تتسم بقدر كبير من المصداقية عن هطول الأمطار في البلاد.. وأخطر ما جاء في حديث الوزير للصحافيين الأربعاء الماضي قوله إن وزارته اضطرت لقطع الإمداد الكهربائي عن المصانع لتغطية احتياجات القطاع السكني.. وكان الأحرى بالوزير القول إن الوزارة اضطرت لقطع التيار الكهربائي عن الأحياء السكنية لتوفيرها للقطاع الصناعي الذي في حال استمرار تدني الإنتاج الكهربائي كما هو الآن (سيخرج) نصف القطاع عن دائرة الإنتاج وتتعرض المصانع لخسائر فادحة وهي التي تشكو أصلاً من حزمة متاعب ومشكلات أقعدت بها.. وجعلت رأس المال الوطني يوالي الهروب إلى الخارج بحثاً عن ملاذ آمن.. والسؤال الذي لم يجب عليه الوزير هل التدني المريع في إنتاج الكهرباء من سد مروي يعود في الأساس لأخطاء في تصميم السد أم أن دراسة الجدوى التي بموجبها صمم السد وأهدرت فيه أموالاً طائلة.. وهللت له الحكومة كانجاز لم تحققه حكومة من قبل كان شعارات فقط؟؟
وكم أنفقت حكومة السودان على مشروعات سد مروي وتعلية خزان الرصيرص.. وقد تكشف الآن إن إنتاج الكهرباء من مروي يقل عن (50%) من الإنتاج الحراري الذي تهدر فيه أموالاً طائلة و(يأكل الدولار كما تأكل النار الحطب).
السيد الوزير قدم اعترافاته الصادقة أمام البرلمان ولكنه بطبيعة الحال لم يجب على السؤال ما الحل إزاء الأزمة الحالية؟؟ وماذا عن استيراد الكهرباء من دولة أثيوبيا؟؟ وهل تستطيع الدولة في ظل الأوضاع الراهنة وأكثر من (60%) من الميزانية تذهب للمجهود الأمني والعسكري والنخب المتنفذة في السلطة ترفض أية حلول سلمية لإنهاء الحرب بالتراضي والتوافق حتى تذهب كل عائدات البترول وصادر الحبوب الغذائية لعافية الإنسان صحة وخدمات وكهرباء وتطوير الصناعة.. هل تستطيع الإنفاق على محطة كوستي الحرارية التي تحتاج إلى آلاف البراميل يومياً من الفيرنس للتشغيل؟؟ ولن نسأل بطبيعة الحال عن محطة كهرباء الفولة التي توقفت منذ اندلاع الحرب وانفصال الجنوب؟؟ إن ما يحدث الآن من قطوعات في التيار الكهربائي وشح في الجازولين للزراعة وقطاع النقل هو ثمرة للأوضاع الاقتصادية الراهنة.. وشح المال وقلة عائد الصادر والإنفاق الكبير على الانتخابات الصيفية التي جرت ولم تحصد منها البلاد استقراراً ولا اعترافاً بنتائجها.. وإذا كان البرلمان قد رفض لوزير الكهرباء طلباً لزيادة تعريفة الكهرباء.. إحساساً ببشاعة أوضاع المواطنين الحالية.. والضغوط التي يتعرضون لها فإن إعادة النظر في التعريفة الحالية للكهرباء ستطالها المراجعة طال الزمن أم قصر.. وقد لمح الوزير “معتز موسى” في حديثه إلى النواب من خلال جلسة الاستماع للجنة الطاقة لإمكانية رحيله من الوزارة لسبب أو آخر.. وذلك بقوله (لو قعدت أو جاء غيري حتى أكتوبر القادم لا بد من إعادة النظر في التعريفة). “معتز” من الوزراء الصادقين وقد تقدم باستقالته من قبل حينما انسدت دروب التعاون والتعامل بينه والوزير الآخر “مكاوي محمد عوض” بسبب إمداد محطة الكهرباء بالفيرنس وقد تدخل الرئيس شخصياً.. وفض النزاع بين الوزيرين لصالح الوزير “معتز موسى” الذي كان يقف في المكان الصحيح.. ولكن العواصف تهب مرة أخرى على وزارة الكهرباء ولو كان “معتز موسى” من طينة الرجال الذين يجيدون التبريرات وتزويغ الكلام لما اعترف بالواقع ولكان مكابراً  وباحثاً عن مشجباً يعلق عليه أسباب تدني الإنتاج في قطاع الكهرباء، كما يفعل كثير من الوزراء.. وحتى اليوم يبدو المشهد ضبابياً على صعيد توفير مدخلات الزراعة للموسم الزراعي القادم. وقد ناشد “كرم الله عباس الشيخ” وهو والي سابق للقضارف ومن قيادات المؤتمر الوطني البارزة.. ومزارع يملك أراضي شاسعة في شرق السودان، ناشد الرئيس “عمر البشير” بالتدخل لإنقاذ الموسم الزراعي ولو كان “كرم الله عباس الشيخ” يرى في الوزراء ضوءاً وقدرة على حل المشكلة لما ناشد الرئيس لتوفير الجازولين للمزارعين.. وقال إن هذه الأزمة لا يستطيع حلها إلا الرئيس، وقد شكا المزارعون وأصحاب الجرارات الزراعية واللواري من صعوبات بالغة تواجههم في الحصول على الجازولين. وقد قالت حكومة القضارف إن الوارد من الجازولين ليوم الأربعاء الماضي كان فقط (23) ألف جالون في حين أن الاستهلاك اليومي يصل إلى (160) ألف جالون، ونفى المزارعون حديث وزير النفط بتسلم المزارعين لجازولين الزراعة، وقد قال بعض المزارعين إن تأخر هطول الأمطار قد خفف الأزمة فكيف يصبح الداء هو الدواء؟؟ وتأخر هطول الأمطار ينذر بكارثة أكبر من نقص الجازولين.. وإزاء هذه الأزمات التي تطل على بلادنا فإن علاج الداء بيد السياسيين قبل الفنيين.

 

 

المجهر السياسي

Exit mobile version