(1)
ليس هناك خلاف على أن اليمن أصبح كارثة إنسانية مجسمة، ليس فقط بسبب الحصار وشح الضروريات، بل كذلك بسبب العدوان المستمر على المدنيين. ويعود هذا أساساً إلى استراتيجية تحالف المؤامرة الانقلابية في تعويق وصول وانسياب الإمدادات الإنسانية إلى المناطق المنكوبة، ومضاعفة نكبة المدنيين بقصفهم وترويعهم. ويتعمد التحالف الإنقلابي بين صالح والحوثيين تعميق الأزمة الإنسانية للضغط على المناطق المدنية لإسقاطها من جهة، والضغط على المجتمع الدولي لإيقاف الحرب ضدهم من جهة أخرى.
(2)
وعليه فإن إيقاف الحرب عبر «هدنة إنسانية» لن يحل المأساة الإنسانية بدون رادع يحمي المدنيين. فطائرات التحالف لا تعوق انسياب الإغاثة إلى المناطق التي يقصفها الانقلابيون، كما أن من السهل التوافق على ممرات آمنة لا يقصفها الطيران. ولكن الإشكالية تبقى أن التحالف الإنقلابي سيستمر في تعويق انسياب الإغاثة ومحاصرة المدنيين، كما فعل خلال الهدنة الماضية.
(3)
هناك بالطبع مسؤولية أساسية على قوات التحالف الذي تقوده السعودية في تأمين الإمدادات الإنسانية. وقد تأكدت هذه المسؤولية بعد إعلان «عملية إعادة الأمل» في نيسان/أبريل الماضي، وتأكيدها على أولوية المسألة الإنسانية. ويعتبر عجز التحالف عن ردع الحوثيين والضغط عليهم للاستجابة لمتطلبات الضرورات الإنسانية هو السبب الأساسي في تفاقم الأزمة.
(4)
لن يتأتى هذا إلا بعملية «تدخل إنساني» فاعلة، تبدأ بخلق ممرات آمنة للإغاثة عبر الحدود السعودية والعمانية إلى كل مناطق اليمن المنكوبة. ويحتاج هذا بالضرورة إلى قوات برية تؤمن هذه المسارات. وتكون المرحلة التالية هي إرسال قوات خاصة للسيطرة على ميناء ومطار عدن، حتى تصبح هذه منافذ لإيصال الإغاثة وفك الحصار عن المناطق المدنية في الجنوب، يتبعها في نهاية المطاف تأمين مطار صنعاء وبقية الموانئ والمطارات.
(5)
لقد شرعت الأمم المتحدة لمبدأ التدخل الإنساني في قمتها المشهورة عام 2005، والتي حددت مبادئ واضحة للتدخل الإنساني. وقد صدرت فيما بعض قرارات من مجلس الأمن وتقارير من الأمين العام تزيد المسألة توضيحاً. وقد تركزت هذه المبادئ على أن يكون التدخل العسكري هو الملاذ الأخير، وأن تكون هناك أزمة إنسانية كبرى وملحة لا تحتمل التأجيل. واشترطت موافقة مجلس الأمن. وبسبب خلافات مجلس الأمن، فإنه لم تصدر حتى الآن قرارات تشرع التدخل الإنساني إلا في حالات محدودة، من أبرزها دارفور وليبيا وساحل العاج.
(6)
فيما يتعلق بحالة اليمن، فلا حاجة إلى تفويض جديد من مجلس الأمن لتدخل إنساني، لأن التفويض القائم للتحالف باستعادة الشرعية، وحق الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً في طلب الدعم الإنساني وغير الإنساني، تغطي هذه المهمة. ما تبقى هو وضع خطة عملية لتدخل إنساني فاعل، بالتعاون مع الأمم المتحدة والحلفاء الدوليين، ووضع هذه الخطة موضع التنفيذ بدون تأجيل أو تسويف لإنقاذ اليمنيين.
(7)
لن يكون هناك غنىً عن تدخل بري فاعل تقوده القوات اليمنية الموالية للشرعية، وذلك لتأمين الإمدادات الإنسانية وردع العدوان على المدنيين. فالتدخل الإنساني ضروري ليس فقط لإيصال الإمدادات الغذائية والصحية الضرورية، بل كذلك لردع ووقف العدوان على المدنيين الذين يموتون بالقصف المباشر من التحالف الإنقلابي والحصار أكثر مما يموتون بسبب نقص الضروريات. وبالتالي لا بد أن يشتمل التدخل على شق عسكري يحقق الردع ضد الاعتداءات على المدنيين، ويوفر لهم الحماية.
(8)
كل هذه واجبات لم تعد تحتمل أي تأخير. ولا بد من تضافر الجهود الإقليمية والدولية لتنفيذ تدخل إنساني فاعل وعاجل في إطار قرارات مجلس الأمن التي أطرت لإعادة الشرعية والأوضاع الطبيعية إلى اليمن. وفي الاعتقاد أن قوات التحالف قادرة على حسم هذا الأمر، وأن التضحيات المطلوبة لتنفيذه ثمن يستحق الدفع، لأن البديل سيكون أسوأ. أما إذا تعذر ذلك، فلا بد من التفكير في حلول بديلة، قد تشمل تدخلاً دولياً أوسع، وقوات أممية تتولى حماية المدنيين وتأمين انسياب الإغاثة. المهم هو ألا يبقى اليمنيون ضحايا لجريمة مزدوجة من القصف العشوائي والتجويع والحصار. فلا يمكن بحال السماح بتكرار المأساة السورية في اليمن كما يتمنى أنصار الدكتاتورية والإجرام والضلال.
٭ كاتب وباحث سوداني مقيم في لندن