جدل كثيف يسود الساحة السودانية حول موضوع الساعة، وهو تنظيم (داعش) الذي انضم إليه عدد من الشباب السوداني، بجانب قضايا كثيرة ومواضيع ظلت مثار حديث الشارع، منها قضية الفتاوى التي يطلقها البعض بعلم وبغير علم، إلى جانب موضوع الشيعة الذي ظل مصدر قلق لكثير من الناس، فضلاً عن مواضيع أخرى وضعتها (المجهر) في منضدة رئيس هيئة علماء السودان البروفيسور “محمد عثمان صالح” الذي أجاب عنها، في مضابط الحوار التالي: –
أولاً: كيف تنظر إلى بروز تيار عنيف مثل (داعش) وإلى ماذا ترد هذا الظهور؟
-هذا الاسم هو عبارة عن الحروف الأولى لمصطلح الدولة الإسلامية في العراق والشام، حيث تم أخذ الحروف الأولى فخرجت كلمة (داعش)، إذن الحديث عن دولة إسلامية مزعومة في العراق والشام، ومن الواضح أن الدولة الإسلامية لها شروط أساسية لقيامها، ومن بين تلك الشروط هي أن تكون هناك بيعة عامة، وأن يكون هناك إمام تنطبق فيه الشروط، وأن تحكم بما أنزل الله وجاء على لسان رسوله (ص) وأن يوافق عليها جمهور المؤمنين، لكن لو أي تنظيم سمى نفسه بهذا الاسم يمكن أن يخرج تنظيم آخر ويطلق على نفسه دولة إسلامية، ويكون بذلك قد وقع الاختلاف الذي نهى الله تعالى عنه، وبالتالي هذا الاختلاف وهذا التضارب وعدم الوصول إلى ما يقنع المسلمين حول أي الجهات هي التي تحمل الراية الصحيحة هو المشكلة الحقيقية التي يجب أن تحل في الوقت الراهن، أما من حيث التصرفات التي وصلتنا عن تنظيم (داعش) فإنها تصرفات كلها رعناء، يجب أن يتوبوا من فعلها ويراجعوا أنفسهم ويلتزموا منهج الكتاب والسنة، لأن قتل النفس لا يجوز إلا بالحق، لذلك أقول إن الصور التي تظهر هنا وهناك عن قتل الناس وتفجير المساجد جميعها أمور ليست من الإسلام في شيء.
{قضية الخلافة نفسها ظلت مكان جدل كثيف فما تفسيركم لهذا الأمر؟
-هي خلافة عن صاحب الشرع وهو الرسول الكريم (ص) وليس كما يزعم الناس أنها خلافة عن الله كما يعتقد البعض، )فإن الموجود لا يخلفه الغائب) الله موجود والخلافة عن صاحب الشرع المصطفى صلوات الله عليه، ومرت الخلافة الراشدة كما هو معلوم ثم جاء الملك العضوض، ثم جاءت محاولات لإنشاء الخلافة الإسلامية من ناحية ثانية أخرها محاولات العثمانيين، ومع الأسف الشديد انتهى العهد الذي كانت فيه خلافة جامعة للمسلمين، لذلك أجاز بعض الفقهاء أن تتعدد الخلافة في بعض المناطق بين الشرق والغرب، أو الشمال والجنوب، ولكن في الوقت الراهن تكاد تكون كل الأمة مجمعة على أنه لابد من عاصم وخليفة للمسلمين يدير أمورها.
مقاطعاً:
{لماذا؟
-حتى من الناحية الواقعية والسياسية المعاصرة الآن الأمم تتجمع، انظر إلى أوربا كانت مشتتة، وبينها حروب ظلت على ذلك أكثر من أربعين عاماً على ذلك، وكانت هنالك أيضاً الحربين العالميتين الأولى والثانية، ورغماً عن هذه الجراحات اتحدت أوربا الآن وأصبح لها اتحاد واحد هو الاتحاد الأوربي، فلماذا لا تتحد أمتنا تحت قيادة واحدة؟ هذا ما يهواه الجميع وخاصة الشباب والذي يحرك الشباب هو قناعتهم أن هذه الأمة ينبغي أن تكون لها قيادة راشدة واحدة، لذلك اعتقد أن على حكام المسلمين وهنالك نواة طيبة وهي منظمة التعاون الإسلامي أن تكون نواة حقيقة لوحدة إسلامية، لأنه لا يمكن إيقاف الدم المراق الآن بأية حال إلا إذا كانت هناك وحدة إسلامية رشيدة سمها ما شئت إمارة، أو خلافة فنحن لا نتكلم عن المسميات وإنما عن المحتوى.
{في ظل ما يحدث الآن من خلافات سياسية وأخرى مذهبية هل يمكن تطبيق وحدة إسلامية أو خلافة إسلامية واحدة؟
-نعم. حدثت خلافات كثيرة في التاريخ الإسلامي وبعد ذلك حدثت غلبة كاملة لبعض الحكام، وأقاموا الخلافة، مثل الخلافة العثمانية التي استمرت أكثر من خمسة قرون إلى أن انتهت في القرن الماضي بعد الحركة “الشقية” التي قام بها “كمال أتاتورك”، لذلك أقول إنه من الممكن أن توجد قوى غالبة وراشدة ومقنعة يتجمع حولها الناس وتقوم الخلافة الإسلامية .
{هل تقوم هذه الخلافة التي تتحدث عنها بالتوافق أم بقوة السلاح؟
-بالتوافق لأنه الأفضل، لأن الله قال عن المسلمين (وأمرهم شورى بينهم) صدق الله العظيم، فالتوافق يكون نتيجة لعملية حوارية شورية يصل إليها الناس، وما أسهل الأمر لو جلس الحكام الحاليون في الخمسين دولة إسلامية وتوصلوا إلى ضرورة أن يكون لهم كيان واحد مثلما حدث في أوربا، أما الطريق الثاني أن تقوم جماعات راشدة غالبة عاملة للإسلام، وأن تكون لها الغلبة بالطريق الشوري الديمقراطي وتصل إلى الحكم.
{داعش تسلك الآن الطريق الثاني الذي تحدثت عنه؟
-بسفك الدماء، الطريقة التي تقوم عليها داعش هي سفك الدماء وهذا لا يجوز .
{الآن خرج شباب
-نحن نأخذ الأمور بظاهرها، والجهات الأمنية تأخذ الأمور بظاهرها وباطنها، وإذا ظهر شيء من هنا نحن نعطي فيه الرأي، لكن ما حدث من خروج بعض الشباب فهم جميعهم من الذين قدموا من الغرب كما علمت، لذلك كان هناك شحن وكانت هناك إحباطات لاقوها هم من التفرقة العنصرية في الغرب، ومن الظلم الذي يقع على الجالية الإسلامية هناك، فوصلوا إلى ما وصلوا إليه، لكن القضية محتاجة إلى وضوح وبيان حتى نقف على حقيقة ما يجري .
{قلت إن جميع من خرجوا قدموا من الغرب هل يعني هذا أن شباب
-أقولها نعم، أنا شخصياً كنت مديراً لإحدى الجامعات بها أكثر من (60) ألف طالب وطالبة ولم يخرج منهم ولو طالب واحد، وإنما هم معتدلون لأنهم أخذوا العلم الشرعي الصحيح من أفواه العلماء.
{حسناً: هناك قضية تسببت في الكثير من الجدل في السودان وهي قضية الفتاوى التي تخرج من أفواه العلماء وغير العلماء، في مسائل تحتاج إلى التدبر والتريث؟
-من تحدث في أمور الدين بغير علم فقد افترى على الله الكذب، فلابد أن يكون الذي يتحدث ويتصدى للفتوى عارفاً بما يفتي به وعالماً بالظروف التي حدث فيها الحدث الذي صدرت فيه الفتوى، والعالم لا يكفيه فقط حفظ النصوص، وإنما يعرف أيضاً فقه الواقع، وما قال به العلماء من قبل، وكثير من الذين يتصدون إلى الفتوى يفتقرون لهذه الشروط، لابد أن تكون هذه الأبعاد موجودة عند من يفتي بفتوى تعم بها البلوى، لذلك نحن نحذر تحذيراً شديداً من يتصدى للإفتاء أن يلتزم المنهج الصحيح في ذلك .
{هنالك مساجد بل هنالك قنوات وإذاعات تعد برامج في هذا المجال؟
-هنالك فرق كبير بين الفتوى وبين الخطاب أو خطبة (الجمعة)، فالذي يقف في المنبر ويخطب في الناس، فهذه ليست فتوى وإنما رأي له توصل إليه، الفتوى هي طلب الرأي الشرعي من استفتاء، وآي شيء غير ذلك لا يعتبر فتوى، وإنما هو رأي لهذا أو ذاك، ولذلك يمكن لنا من خلال البرامج الإذاعية والتلفزيونية أن تطلب الفتوى، ومن يفتي يتحمل المسؤولية الكبيرة التي يسأل عنها الله .
{يتهمكم البعض بأنكم لا تقومون بدوركم فيما يتعلق بقضايا كثيرة تهم الشعب السوداني خاصة فيما هو متعلق بشؤون الحكم؟
-من لا يعرف ما نقوم به فهو جاهل، نحن نخاطب المسؤولين بثلاثة طرق، إما فتوى نصدرها حول قضية ما تهم الحاكم، أو نصدر مطبوعة أو نشرة في أمر ما على الحاكم أن يقرأ ما يكتب من السادة العلماء وأن يلتزم بما يقرأ، والثالث ما يمكن أن يكون في الجلسات الخاصة، وليس كل ما يقال لابد أن يعرف، نحمد الله أننا في القضايا المهمة دائماً ما نسمع رأينا سواء كان ذلك على مستوى رئاسة الجمهورية أو الوزارات أو الولايات، وما ينشره السادة العلماء في الصحف لابد أن يقدر فليس بالضرورة أن يصدر كل رأي من هيئة العلماء مجتمعة، فإذا قال العالم رأياً له في مقال أو عمود بالصحف على الطرف الآخر المسؤول أن يسمع، وما يكشف عن قضايا فيها راحة الفساد، أو فساد محقق على الجهة المعنية أن تدقق وتصل إلى ما ينبغي أن يخارجها من المسؤولية أمام الله، نحن لا نبرئ أنفسنا من التقصير لأن المشكلات كثيرة لكننا نقدم ما نستطيع أن نقدمه وبالتالي على الطرف الآخر الراعي والرعية لأننا لسنا مختصين في نصح الحاكم لوحده أن يعي النصح، وعندما نقول نحن، ليس المقصود هيئة العلماء بهذا المفهوم الضيق وإنما كل العلماء المنتشرين في كافة ولايات السودان، ولا شك أن كل هؤلاء يصعدون المنابر وينصحون، ويقابلون الحكام وينصحون، المهم أن تنظر إلى ما يقول العلماء بأنه تمثيل وخلافة عن صاحب الشريعة المصطفى (ص) أن يستمع إليهم، لكن أن يدعي كل شخص بأنه هو العالم فهذه هي المشكلة، فأنا بأخذ على أهلنا في السودان أن كل شخص يقرأ كلمتين أو ثلاث يجعل من نفسه مفتياً وصاحب رأي.
{هل يوجد في الإسلام مفهوم رجال الدين كما هو معلوم في الكنيسة؟
-ليس في الإسلام هذا المفهوم لكن هناك مفهوم أن يكون هذا الإنسان عالماً، سواء كان متفرغاً للعلم متخصصاً في الشريعة أو طبيباً أو مهندساً أو غيره، بشرط أن يكون علم أمور الدين حتى يتكلم فيه، وفي تراثنا الإسلامي واضح أن عالم الدين يمكن أن تكون له في ذات الوقت مهنة أخرى.
{أين دور المجتهد مطلقاً؟
-في زماننا هذا هناك عدد قليل من الأشخاص الذين يمكن أن نطلق عليهم مصطلح المجتهد الأكبر أو المطلق، لذلك ظللنا نلجأ إلى ما يسمى بالفتوى الجماعية أو في مجامع الفقه لأن المجتهد المطلق في الوقت الراهن لا يكاد يوجد في العالم الإسلامي وإذا وجد فهم على عدد أصابع اليد الواحدة .
{تحدثت عن تقديمكم للنصح للحكام لكن ينظر إليكم البعض بأنكم علماء للسلطان فقط تزينون له ما يريد ولا تتحدثون فيما لا يريد؟
-هل شعرت من خلال محاورتنا هذه بوجود شيء من هذا؟ آم هذا افتراء يفترونه على العلماء؟ إننا نقدم النصح للحاكم ونتحدى أن يذكر الناس قضية واحدة أصدرنا فيها حكماً يخالف شرع الله سبحانه وتعالى، وماذا يضير إذا كان العالم يناصر السلطان والسلطان يناصر العالم، صنفان من الناس كما يقول المصطفى (ص) إذا صلحا صلح الناس، العلماء والأمراء، فماذا يضير إذا كان العالم يناصر السلطان فهذا واجب لأن هذه بيعة في الأعناق، ولكن في الطرف الآخر على الأمير أو الحاكم أن يستمع إلى كلام العلماء ولا يخالفهم أبداً، وإذا خالفهم يكون آثماً، فنحن لا نستنكف أن نقدم النصح للحاكم وننظر إلى أفعاله وإذا كان الصواب نقول الصواب وإذا كان الخطأ نقول الخطأ.
{كثر الحديث عن الشيعة وعن خطرهم ليس في السودان فحسب وإنما في عدة دول إسلامية وعربية، بل إن الحديث عن أن خطر الشيعة أكبر من إسرائيل؟
-أخي الكريم أي انقسام في الأمة تترتب عليه أخطار عظيمة، وواضح تماماً أن الثورة الإيرانية المدعومة من المذهب الشيعي وملالي المذهب الشيعي بدأت ناعمة ولم تفصح عن كل أغراضها، لذلك تجد أن عدداً كبيراً من الناس سار في ركاب أن تتحرر إيران من قبضة الشاه العلمانية، فكانت البداية ناعمة، لكن في الآونة الأخيرة ظهرت المقاصد الحقيقية للشيعة في إيران والعراق وسوريا، ولذلك قسموا الأمة وأداروا الحروب وهي حروب ليست طائفية بالمعنى الدقيق للكلمة وإنما هي حروب مطامع أممية، نحن لا شك نحذر الأمة منها وقد فعلنا ذلك، فالخطر الشيعي ماثل الآن في الدماء المهدرة في العراق في سوريا واليمن وربما كان ذلك في مرحلة أخرى في البحرين، ومن ثم نقول إن خطر الانقسام هذا ينبغي تلافيه بوحدة الأمة .
{تقصد بالأمة جميع المذاهب؟
-عندما أقول الأمة إنما أعني أهل السنة والجماعة، لأنهم الغالبية الغالبة، ففي الخمسين دولة إسلامية توجد دولة شيعية واحدة هي إيران، وينبغي على قيادات الشيعة أن يخافوا الله في الأمة لدول أخرى ذات أغلبية سنية، من باكستان شرقاً إلى موريتانيا غرباً، إذن لا يمكن أن يصنف أهل السنة فرقة، والشيعة فرقة أخرى، لأن أهل السنة هم السواد الأعظم لأمة محمد (ص)، أما الفرقة فهي الشيعة أو فرق الشيعة، لكن أهل السنة هم هذه الدول المسلمة التي ندعو لأن تتجمع وتكون كياناً واحداً، فخطر الشيعة عظيم، وينبغي على قيادات هذه الفرق الشيعية أن يخافوا الله في الأمة ويوقفوا هذا المد الذي يريد أن يجعل من إيران دولة مهيمنة وحاكمة على المسلمين، وأكثر ما أوجه الخطاب إلى الإخوة العرب الذين تخفى عليهم مطامع هؤلاء الإيرانيين الفرس، لابد أن يتجنبوا الوقوع في هذه الوهدة لأن الطائفية المزعومة هي غطاء ومن بعد ذلك التاريخ يحدثنا أن الفرس وصلوا إلى حدود اليمن وحكموها قبل الإسلام، وهذه مطامع جديدة، وهم الآن يتحدثون بأنهم أحاطوا بأربع عواصم عربية، فالتحذير للإخوة العرب، ونحن لسنا عنصريين وإنما العرب، هم مادة الإسلام كما جاء في الأحاديث، أنا أقولها وبكل الصدق، كنا في بداية الأمر، مع إخوتنا في إيران، نمد لهم يد التعاون لكن وضحت الأمور بأن المسألة كانت عبارة عن خدعة وتقية، والتقية عندهم – كما يزعمون – هي دين ، وهي إبطان ما لا يظهر، الآن حصحص الحق وعلى الجميع أن ينتبه إلى خطر الشيعة.
{ونحن في العشر الأواخر هناك حديث وجدل عن تهجد المرأة؟
-لم أسمع عالماً واحداً يقول إن التهجد ممنوع للمرأة أو للرجال، فالتهجد هو عبادة نافلة في رمضان
{هل ينطبق هذا على المتزوجات وغير المتزوجات؟
-نعم للاثنين معاً بشرط الطهارة، وأن تذهب وليست متبرجة وهذا جائز، لأن الناس يحتاجون إلى العبادة الجماعية .
{بعض المساجد ترفع فيها المايكرفونات بأصوات عالية في ظل وجود مرضى وشيوخ كبار في السن وغيرهم ممن لا يستطيعون تأدية تلك النافلة في المساجد؟
-أنا شخصياً رأيي أن يرفع الأذان، وترفع الإقامة بالميكرفون العادي، فهذه ليست فيها شيء، وعندما يأتون إلى الصلاة الجهرية أن يستخدم المايكرفونات الداخلية، هذا رأيي وأتمنى أن يقتنع الناس بهذا الرأي حتى لا يكون هناك تعب ورهق للمرضى والكبار والأطفال والمرضى ممن هم حول المساجد، لكن هذه المسألة حساسة والحديث فيها برأيي أو بقانون قد تكون له آثار جانبية لكن في نهاية الأمر هذا رأيي الشخصي.
{هل من رسالة توجهها إلى الأمة الإسلامية والسودانية على وجه الخصوص؟
-أقول في هذه الأيام المباركة أن نتوب إلى الله من كل الذنوب والمخالفات وأن نوحد جهودنا، وأن نجري الحوار بيننا سواء كان ذلك على مستوى العلماء أو على مستوى السياسيين الذين هم مختلفون اختلافاً كثيراً، لابد أن نتجنب حال أهل الكتاب، فقد جاءتنا البينة وهي القرآن والرسول الذي جاء به، فعلينا أن نتحد في الثوابت ويعذر بعضنا بعضاً في الفرعيات.
المجهر السياسي