يعتزم باقان أموم الأمين العام لحزب الحركة الشعبية لتحرير السودان الحاكم لدولة جنوب السودان زيارة العاصمة السودانية خلال الفترة القادمة، ويعود الرجل للخرطوم بعدما ظل يُنظر إليه لسنوات عديدة باعتباره “خميرة عكننة” منذ توقيع اتفاق السلام الشامل ويبدو أن باقان بعد وصوله للخرطوم لن يجد سوى ترديد بيت الشعر الشهير (وقد يجمع الله الشتيتين بعدما يظنان كل الظن أن لا تلاقيا).
توقيعات
نحن كحركة شعبية نعد لبناء السودان الجديد في الشمال والجنوب وفي الدولتين ومشروعنا لا يزال قائماً، وسيتم تنفيذه في جنوب السودان بعد الانفصال
باقان أموم
الأمين العام للحركة الشعبية
>>
الأمين العام للحركة الشعبية باقان أموم سيزور السودان قريباً وستتم هذه الزيارة بعد أن يستلم أموم مهامه
ميان دوت
سفير جنوب السودان بالخرطوم
بالطبع فإن باقان لن يأتي بذهنيته أو لسانه القديم وسيأتي بشخصية وأسلوب جديدين لرغبته في تغيير الانطباع القديم عنه
البرفسور حسن الساعوري
المحلل السياسي
“الشعبية” ترنو لتضميد جراحها في “مشافي” الخرطوم
الخرطوم: ماهر أبوجوخ
تحولات متسارعة يشهدها جنوب السودان منذ أكثر من عام ونصف، وتطورات متلاحقة قادت لانقسام الممسكين بزمام الأمور بالبلاد ما بين الحكم والمعارضة وحمل السلاح. وتجرع فيها الأمين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان باقان أموم الذي اختار الانحياز لمعسكر المعارضة الشراب من كأس الإقالة من موقعه الحزبي والسجن والعيش خارج وطنه بالمنافي قبل أن يعود مجدداً أميناً عاماً للحركة في أول ترجمة لثمار المساعي الإقليمية والدولية لطي الخلافات بين فرقاء جنوب السودان.
المحطة الأولى
أبرز الأسئلة التي ستكون مطروحة تتصل بدلالات اختيار باقان للخرطوم لتكون ضمن محطاته الأولى الخارجية التي قرر زيارتها بعد عودته لمسرح الأحداث بدولة جنوب السودان خاصة مع استصحاب حالة العداء العنيفة بينه وبين حزب المؤتمر الوطني الذي ظل خلال سنوات اتفاقية السلام الشامل يعتبره قائد التيار المتشدد والمناوئ والمعيق لمسار الشركة السياسية بين (الوطني) و(الحركة) وحجر العثرة أمام أي تقارب بينهما واتهامه باعتلاء موجة الانفصال في استفتاء جنوب السودان ثم قيادته للوفد الجنوبي السوداني بالمفاوضات الخاصة بالقضايا العالقة، ولذلك فإن قرار ازاحته من موقعه حظي بارتياح كبير من الأجهزة الإعلامية المقربة للحكومة السودانية.
في ما يتصل بالمجموعة المعارضة التي يقودها نائب الرئيس الجنوب سوداني السابق د.رياك مشار والتي تخوض مواجهات ذات طابع عسكري عنيف ضد القوات النظامية فإن مقدار التباين والتحفظات على مستوى التوجهات السياسية أو حتى الشخصية تعتبر أقل حدة من قبل الأوساط المحسوبة على الحكومة السودانية مقارنة بالمجموعة المعارضة المساندة لباقان والتي تضم عدد من الشخصيات على رأسهم دينق ألور ووياي دينق الذين تصنفهم الخرطوم باعتبارهم مناهضين لأي تقارب معها.
مفتاح الحل
منذ تفجر الأزمة بين فرقاء جنوب السودان وتحولها لحرب عنيفة فإن المؤشرات كانت تظهر أهمية الدور السوداني في حل تلك الأزمة استناداً لعوامل سياسية واقتصادية وأمنية وهو ما يجعل الخرطوم عملياً تمتلك جانب من مفاتيح حل الأزمة التي باتت تمثل أكبر تحدٍّ يجابه جنوب السودان ولذلك فإن إحداث اختراق حقيقي بهذا الملف سيصب في مصلحة الأمين العام للحركة الشعبية وهو ما سيوجب عليه المرور بالخرطوم لتحقيق تلك النتيجة.
إحداث اختراق في مسار الصراع المسلح العنيف بين الحكومة والمعارضة بجنوب السودان سيمكن باقان من تحقيق هدفين أولهما منظور باعتبار أن هذه الخطوة ستجنبه الانزلاق في أتون الحرب مناصراً للحكومة وحماية مواقفه من انتقادات المعارضين.
أما الشق الأهم في ما يتصل باستيعاب المعارضين ضمن التركيبة الجديدة فهو توافق آرائها مع جزء كبير من الأطروحات التي ينادي بها باقان ومسانديه وهو ما سيجعلهم عملياً يدعمون مواقف بعضهم البعض في مواجهة مناصري تيار الرئيس الحالي الفريق سلفاكير ميارديت.
ويتمثل الهدف بعيد المدي الذي يسعي باقان لحصده من نجاحه في لعب دور إيجابي يفضي لإنهاء الحرب الأهلية بين فرقاء جنوب السودان، هو تقديم نفسه على المستوى الإقليمي والدولي باعتباره لاعباً أساسياً في المسرح السياسي الجنوب سوداني وقد يخفي هذا الأمر في طيه طموحاً مستقبلي بلعب دور مفصلي في قيادة البلاد بما في ذلك الوصول لموقع الرجل الأول.
عوامل متغيرة
حينما يصل باقان للخرطوم سيجد أن رياحاً قد هبت وأفضت لإبعاد عدد من الشخصيات الممسكة بالملفات عن مركز صناع القرار على رأسهم النائب الأول لرئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه ومساعد الرئيس د.نافع علي نافع في وقت صعدت فيها أدوار شخصيات أخرى أبرزها الفريق أول ركن بكري حسن صالح الذي انتقل لموقع النائب الأول لرئيس الجمهورية، أما الأطقم الوزارية التي تعامل معها خلال سنوات تنفيذ اتفاق السلام الشامل وما تلاها من انفصال وتكوين دولة جنوب السودان فقد خرج معظمهم من دائرة الفعل السياسي ولم يقتصر هذا الأمر على الوزراء الاتحاديين، وإنما طال حتى ولاة الولايات وهو ما يعني أن الخرطوم التي سيحط باقان ليست هي نفسها التي غادرها.
التحولات بالكابينة القيادية السودانية قد تصب لمصلحة إنجاح زيارة باقان للخرطوم التي تختلف ظروفها وتفاصيلها باعتبار أن بعض الفاعلين السابقين بالمسرح الذين اختلفوا مع الرجل إبان فترة (نيفاشا) وما بعدها قد باتوا بعيدين عن مسرح الأحداث وهو ما يمكنه من تقديم نفسه بشكل جديد بعيداً عن توجسات واحتقانات الماضي، إلا أن هذا الأمر سيكون رهين بما سيقدمه باقان في ما يتصل بمعالجة العديد القضايا العالقة بين دولتي السودان على رأسها المسألة المتصلة بالاتهامات الموجه لجوبا بإيواء ودعم المجموعات المعارضة المسلحة بالمنطقتين ودارفور.
لذلك فإن الخرطوم ستراقب الرجل عن كثب لتحديد هل غيرت الأيام فيه مما يستوجب فتح صفحة جديدة معه أم أنه لا يزال يحتفظ بذات جوهره دون تغيير وهو ما يجعل الكرة عملياً في ملعب باقان بوصفه من سيحدد بأفعاله وأقواله الخطوات المستقبلية للسودان، لكن المؤكد أن زيارة باقان تهدف بصورة – حاسمة – الى استكمال ترميم جسد الحركة الشعبية الذي عانى مؤخراً من معضلات تنظيمية، قبل أن يبدأ في التعافي مع عودة باقان الذي يرأس مجموعة العشرة. ويبدو أن الرجل جاء للبحث عن وصفة طبية في مشافي الخرطوم التي تملك – أيضاً – كروت رابحة يمكن أن تحقن عبرها جسد الحركة الشعبية بأمصال الوحدة، على اعتبار أنها – أي الخرطوم – لا تزال تملك علاقات وروابط حية مع أطراف النزاع السياسي والتنظيمي في الدولة الوليدة.
الصيحة