> شيء مُقلق للغاية.. ما قاله قبل يومين مدير شركة نقل الكهرباء لقناة النيل الأزرق، عن تناقص التوليد المائي وانخفاضه، ومشكلة القطوعات وبرمجتها غير المُعلنة، وتوقُّف صيانة محطات التوليد الحراري بسبب الفشل في فتح اعتمادات بنكية نسبة لشُح النقد الأجنبي خلال العام الماضي.. وأكثر ما يُفزع أنه قال بصريح العبارة بعد تقْدُمة تُنبئ بما هو أكثر وطأة على المواطنين، أن هناك صعوبة في توفير الإمداد الكهربائي المواز للاستهلاك المتصاعد سنوياً، مع وجود ترتيبات لسد النقص من التوليد الحراري ..!
> كنا نظن منذ فترة ليست بالقصيرة، أن قضية الكهرباء في بلادنا قد حُلَّت بقيام سد مروي وتعلية خزان الرُّصيرص وقيام سد ستيت والتوسُّع في التوليد الحراري، وقيام محطات جديدة، وأن هناك دراسات ومسح مُسبق واستشراف لحجم الاستهلاك وفق التطور الحادث في البلاد والتوسع العمراني والحضري والصناعي والزراعي، ولم يكن يساورنا شك أن التخطيط لمسألة الطاقة وتوفيرها، هو هم من هموم المجتمعات الحديثة، تضعه في مقدمة أولوياتها، وأنه مسألة محسومة لدى الحكومة وتوجد خطط وبدائل موجودة، وتم توفير الكثير من الميزانيات وخيارات التمويل لها. ولكن أن نُفاجأ بحديث السيد مدير شركة النقل وإشاراته المخيفة التي تؤكد غياب التخطيط السليم، وعدم توفر الصيانة لمحطات التوليد الحراري، فهذا أمر يدعو إلى التحرك الفوري للحكومة، وتجنيد كل طاقاتها وعلاقاتها لمعالجة الاختلال في هذا القطاع. فلو لم نتدارك هذه المسألة، ستكون هناك مشكلات كثيرة، ربما تؤدي إلى ما هو أسوأ. فلا أحد يريد الرجوع إلى أزمنة القطوعات المبرمجة وانعدام التيار الكهربائي بعد أن تنمطت حياتنا كلها بالطاقة من الاحتياجات المنزلية والمستشفيات والأدوية إلى الزراعة والصناعة والإنتاج الحيواني والاتصالات، وكل القطاعات الحيوية في البلاد..
> ما فائدة تحسن العلاقات الخارجية خاصة مع بعض الدول الصديقة في الخليج، إذا كنا لا نستيطع توفير نقد أجنبي لمعالجة احتياجات الصيانة أو فتح اعتمادات بنكية..؟ فهذا القطاع أهم بكثير من قطاعات أخرى يتم الصرف عليها دون نتائج مباشرة، ولو لم يتم التحرك السريع، فإن الفتق سيتوسع ولا يمكننا رتقه بسهولة.
> قبل فترة صدر تقرير من مؤسسة دولية محترمة عن الانهيار الذي أصاب قطاع الكهرباء في مصر منذ سقوط نظام حسني مبارك حتى اليوم، والإهمال الذي أصابه، وقدرت تكلفة الصيانة المطلوبة بما يقارب العشرين مليار دولار حتي يعود القطاع الحيوي في بلد يعتمد تماماً على الكهرباء إلى ما كان عليه.. وذهب التقرير إلى أن إهمال أعمال الصيانة وقلة الموارد المخصصة لها وتفاقم المشكلة، كل عام هو الذي قاد إلى الأوضاع المزرية التي عليه وتتوجب العلاج.
> إذا كان هذا هو الحال في مصر مع حجم استهلاكها الضخم للكهرباء وضخامة قطاعه المائي والحراري، وهو استهلاك لا يقارن بنظيره في السودان، فإن أزمتنا ستكون أكبر. فمصر مهما كان لا تعاني من مشكلة اعتمادات بنكية أو حرب اقتصادية ومقاطعة من الدول الغربية المانحة أو عقوبات تضييق بخناقها مثلنا، فإذن.. علينا أن نجلس على الإرض ونراجع الأخطاء الكبيرة التي تمت في هذا القطاع، ولماذا لم نستفد من التوليد المائي كما كان ينبغي؟ وما هو الخلل، وهل الدراسات السابقة التي أُنشئ بها سد مروي، وتمت بها تعلية خزان الرصيرص ومحطات التوليد المائي والحراري، والربط الشبكي مع إثيوبيا وحجم الاستهلاك في الشبكة القومية، كلها كانت غير دقيقة ولم تُعط مؤشرات علمة حقيقية..؟ أم أن استشراف المستقبل الاستعداد له ووضع الإستراتيجيات في هذا القطاع الحيوي لم تكن كما ينبغي لها أن تكون، وكان الغرض السياسي أكبر من الحقيقة الماثلة ..!
> هذا الموضوع لا يمكن إهماله وعلى الدولة تكوين لجنة عُليا تشرف عليها رئاسة الجمهورية لمراجعة قطاع الكهرباء ووضع الحلول الممكنة للإصلاح، لأن أي تأخير سيُفاقم المشكلة الراهنة، خاصة مع ارتفاع معدلات الاستهلاك والنمو السكاني والتوسع العمراني وطبيعة الحياة المتغيرة بسرعة هائلة في بلد نا. والغريب أن وزير الكهرباء كان قد أشار قبل فترة، إلى الخلل في الاستهلاك أن الكهرباء المستهلكة في أحياء الرياض والطائف والمنشية في الخرطوم تساوي حجم الطاقة الكهربائية المستهلكة في ولايات الشرق الثلاث (القضارف- وكسلا- بورتسودان)..