“الطريق يصعد ويهبط حسب الذهاب والإياب، فهو صعود للذاهب, ونزول للقادم”. إنه (خوان رولفو) في روايته الرائعة (بيدرو بارامو). لكن هنا فالطريق لا يصعد أبداً، فهو نزول في الحالتين (ذهاباً واياباً).
نزول الطريق، مرهون في حالة الزميل (هيثم كابو)، بحادثة الاعتداء عليه من قبل ذات الشخص الذي اعتدى على (يحيى فضل الله) قبل أعوام في (مكتبي) بحكايات، حيث اعتقل ثم أفرج عنه بعد أن أثبتت التقارير الطبيبة أنه يعاني مرضاً نفسياً.
ظل الرجل يتردد على (اليوم التالي)، يسأل تارة عن رئيس التحرير وغالباً عن مدير التحرير والزميلة صباح موسى، كما زارني أنا والزميل عثمان الأسباط (كذا مرة) في مكاتبنا، قبل أن ننوه الاستقبال بالتعامل معه كما ينبغي.
بغض النظر عن حالته النفسية، نسأل الله له الشفاء، إلا أن الرجل يشكل خطراً داهماً للصحفيين، فهو في الغالب يكون مسلحاً بسكين بشكل دائم، لا تفارقه أبداً، كما أنه يستخدم أسلوب المباغتة والصدمة حين الهجوم على ضحيته، وكنت شاهد عيان على اعتدائه على (يحيى فضل الله).
نسأل الله الشفاء لزميلنا (هيثم كابو)، ونتساءل، كيف يتم تأمين الصحفيين كما طالب البعض، ومن هي الجهة المخول لها حمايتهم ليل نهار؟ هذا مستحيل، أولاً لطبيعة عملنا كصحفيين وهو عمل يفترض فيه التعامل المباشر مع المجتمع، وثانياً لطبيعة ثقافتنا السودانية التي لا تلتزم بالضوابط، بل وتعدها ضرباً من الترفع غير الضروري، لذلك، كثيراً ما يفشل (حراس) بوابات الصحف في منع أحدهم من الدخول.
من يطالبون الأجهزة الأمنية والشرطية بحماية الصحفيين، وكأنهم يصعدون مستخدمين طريق النزول، إذ يطلبون مستحيلاً، وهم يعلمون ذلك.
لكن الطبيعي والمعقول أن نطالب الشرطة بسرعة الكشف عن مرتكبي هذه الجرائم خاصة المنظمة منها والمخطط لها وتقديمهم للعدالة كما في حالة (عثمان ميرغني)، أو تسمح لهم بحماية أنفسهم بأنفسهم كأن تصدق لهم بامتلاك أسلحة خفيفة (مسدسات) مثلاً، لاستخدامها للدفاع عن النفس في الحالات القصوى كحالتي (يحيى وهيثم).
لكن قبل كل هذا وذاك، فإن الأمر لن ينصلح، والخوف لن ينقشع ما لم نجر مراجعات لسلوكنا ومدى (انضباطيتنا) (discipline)، وعدم جعل مكاتبنا (مفتوحة) للجميع، وأن تلزم الإدارة الموظفين بعدم استقبال الضيوف أثناء ساعات العمل، لكننا لن نستطيع أن نفعل ذلك، أليس كذلك؟
وطالما أنه ليس على الشرطة أن (تباري) الصحفيين لتحميهم، وطالما ظلت كيفية الحماية هذه غائبة وغائمة وغامضة إلا فيما أشرنا إليها سابقاً، وطالما نحن غير منضبطين، ولا نستطيع تحمل النظام ونضيق ذرعاً بالانضباط والمسؤولية، وطالما (الرجل أبو سكين) مريض نفسياً، وأنه سيخرج يوماً ما، كما يخرج بعد حادثتي (حكايات الرأي العام)، فإنه لا محالة ستصعد روح أحدنا إلى الأمجاد السماوية، ما لم نضبط أو نتسلح.