سهير عبد الرحيم : نواعم بأنياب

يوم أمس كنت أفكر وأنا في طريقي إلى محكمة الخرطوم شمال (وسط اختناقات مرورية حادة)، كنت أفكر في التغييرات التي طرأت على أسلوب تفكير وعمل المرأة السودانية خلال السنوات الأخيرة، حبل أفكاري لم تقطعه إلا ممارسة القفز والتشبث بالمباني خلال محاولاتي تفادي البرك الآسنة، والحفر العميقة في منتصف الشارع شرق مجمع المحاكم (تقريباً المستنقعات دي جزء من استعدادات المحلية للخريف).
عقب ذلك دلفت إلى مبنى المحكمة وكانت تلك المرة الأولى منذ آخر مرة دخلت فيها إلى ذلك المبنى في عام 2009 إبان تغطيات صحفية لصالح صحيفة (الرأي العام)، في ذلك الوقت كانت أغلب التغطيات لقضايا أطراف النزاع فيها من الرجال، أو على الأقل غالبية المتهمين من الرجال.
المهم في إحدى قاعات المحكمة جلست وبدأت أتابع قضية لسيدة سودانية متهمة بالاحتيال على عدد كبير من الرجال والنساء بمبالغ تفوق المليارات.
وقبل تلك الجلسة وبعدها شهدت أيضا وفي نفس القاعة أكثر من قضية الشاكيات والمتهمات فيها من قبيلة النساء.
بل هناك قضية كانت المتهمة فيها سيدة والشاكي رجل أربعيني وقد احتالت عليه امرأة ثلاثينية، بمعنى أن قضايا احتيال النساء صار ضحاياها من الجنسين، وحدث بها تطور نوعي لتمارس المرأة الخداع والاحتيال تجاه الرجل وتنقلب الآية فيحدث تبادل للأدوار.
الملفت في أمر تلك القضايا هو البرود الذي لازم المتهمات في كل الجلسات التي استمعت إليها وكأن الولوج إلى قفص الاتهام وارتداء زي الفضيحة أصبح أمرا اعتياديا عند النساء.
وربما كان سبب ذلك البرود يعود إلى طبيعة الشخصية السودانية التي تتأثر بصورة أو أخرى بالمهنة التي تؤديها، بمعنى أن ارتياد النساء لمجالات عمل ذكورية ودخول الرجال مجالات عمل أنثوية ينتج عنه تقمص شخصية النوع دون تقمص المهنة.
فمثلا في كل العالم (الشيف) أو نجوم المطبخ من الرجال يقومون بعملية الطهي وإعداد الطعام والتي هي في الأساس ماركة نسائية مسجلة، يقومون بذلك بكل أناقة وحس رجولي متدفق.
في حين أننا في السودان نجد بعض مرتادي المطبخ وبالذات في المناسبات الكبيرة من أفراح وأتراح يتعاملون تماما مثل النساء في حركاتهم وسكناتهم وحتى مشيتهم وتذوقهم للطعام ويتقمصون دور النساء كاملا غير منقوص، حتى يخيل إليك أن الذي أمامك هو امرأة ضلت طريقها إلى عالم الرجال.
كذلك الحال بالنسبة للنساء في سوق العمل الرجالي وعالم السمسرة والتجارة والمضاربات وحتى (الكسر) يقمن بتقمص الشخصية الذكورية دون اكتساب مهارات المهنة.
عكس النساء في كل العالم اللائي يمارسن أعمال التجارة والمضاربات ويقتحمن قاموس الرجال دون أن ينال ذلك من أنوثتهن، أو يحول أظفارهن إلى أنياب حادة يخدشن بها ويسرقن ويقتلعن حقوقهن وحقوق الغير.
دخول المرأة السودانية نفسه إلى سوق العمل واكتسابها ثقة المتعاملين باعتبارها أنثى تعمل ألف حساب لخطواتها، هذه الميزة ونتيجة سوء استخدامها عند البعض أفقدت النساء أراضيَ كثيرة في العمل التجاري وجعلت بذور الشك تنبت متجاورة مع بذور الثقة.
إن المرأة التي تختار بوابة العمل التجاري في سوق الله أكبر، عليها أن تتسلح بمجموعة من القيم، أبرزها أن تبتعد عن أكل أموال الناس بالباطل، وأن لا تستعجل الربح السريع وأن تتقمص مهارات المهنة عوضاً عن تقمص شخصية الرجال؛ فتقمص الثانية غالباً ما يوردها موارد الهلاك.

سهير عبدالرحيم

Exit mobile version