هجرة الكوادر السودانية وجدت قبولاً وتأييداً من قبل الدولة مع اعترافها أن هذا الوضع خلف وراءه فجوات في عدد من التخصصات النادرة؛ خاصة الطبية، الأمر الذي أدى إلى تخوف الأجهزة التشريعية من تأثر الخدمات المقدمة للمواطن، ما أدى إلى تسارع الخطوات والمطالبات للحد من الهجرة ووضع استراتيجيات محكمة لتنظيم عمل هجرة الكوادر السودانية إلى دول الخليج والبلدان الأخرى، خاصة مع تزايد أعداد المهاجرين، وخاصة أن معظمهم من الأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات والإعلاميين.
وكان جهاز تنظيم شؤون العاملين بالخارج قد كشف عن هجرة أكثر من أربعة ملايين سوداني خلال الفترة الماضية لمختلف دول العالم، من بينهم ثلاثة ملايين لدول الخليج و(250) ألفاً إلى ليبيا بجانب (280) ألفاً هاجروا إلى دول الاتحاد الأوربي، من بينهم ما يقارب (30) ألفاً إلى المملكة المتحدة، زيادة على ذلك (70) ألفاً إلى كندا وأميركا وأكثر من(16) الفاً إلى استراليا، ويبلغ الذين هاجروا منذ مطلع العام (2014) حوالي (50) ألفاً معظمهم من الأطباء والأستاذة.
جهاز المغتربين طالب الحكومة بضرورة التصدي لظاهرة هجرة الكوادر والكفاءات التي ستضر بآفاق التنمية والتطور خاصة أنها أثرت سلباً في قطاعات خدمية حكومية على رأسها الصحة والتعليم، جاء ذلك على لسان حاج ماجد سوار أمين عام الجهاز قائلاً إن الذين هاجروا من السودان منذ العام (2009) تجاوز الـ(347) ألف شخص استقر معظمهم في دول الخليج والسعودية التي تحتضن أكبر جالية سودانية مهاجرة عبر العالم، إذ يقيم بها وبصورة شرعية أكثر من مليوني سوداني، مضيفاً أن الجامعات السودانية فقدت نصف هيئة تدريسها خاصة في مجالات الطب والصيدلة الأمر الذي يتطلب الإسراع في معالجة الظاهرة المهددة للمجالات كافة.
وبحسب الخبراء، تتطلب مشكلة نزيف الهجرة ضرورة وضع إستراتيجية محكمة لتنظيم هجرة الكوادر السودانية حفاظاً على استقرار المواطن المعيشي والتعليمي والاقتصادي والمساهمة في إنجاح خطط وسيايات توطين العلاج بالداخل، هذا بجانب وضع سياسات ذكية لجذب المهاجرين وتحفيزهم للعودة للوطن.
وطالبت وزارة العمل والإصلاح الإداري بإنشاء وزارة مختصة بالهجرة بدلاً عن الاشراف عليها بواسطة إدارة داخل مؤسسة، فيما شددت على ضرورة اعتماد نظام السجل المدني بغرض حصر المغتربين والمهاجرين وإعداد قائمة بيانات موحدة.
وكشف محمد السماني مدير إدارة الهجرة بالوزارة عن هجرة(1,336) طبيباً خلال العام (2013) بالإضافة إلى أكثر من (2,162) طبيباً خلال العام (2014) واصفاً الأمر بالمقلق، ودعا السماني إلى إعداد خطة وطنية للهجرة تسهم فيها جميع الجهات المختصة وتفعيل القوانين والنظم للإلتزام بها والاستفادة من امتيازاتها، بالإضافة إلى إجراء مسوحات سوق العمل الخارجي لتلبية متتطلباته وتوجيه العمالة السودانية لتتمكن من المنافسة خارجياً.
وأبدت وزارة الصحة الاتحادية قلقها من تزايد هجرة الكوادر الطبية وأثرها السلبي في الخدمات الصحية بالسودان محذرة من تفاقم إشكالية الهجرة، جاء ذلك على لسان الوزير بحر إدريس أبوقردة والذي أقر بصعوبة الظروف الاقتصادية وتدني أجور العاملين بالحقل الصحي بجانب البيئة الطاردة بالمؤسسات الصحية، ووصف هجرة (3) آلاف طبيب سنوياً من بينهم 48% من النساء و55% من الكوادر الصحية تعمل خارج البلاد بالأمر المزعج الذي يتطلب المزيد من الجهود لتلافي المشكلة، مؤكداً حرصه على توفير المواعين التدريبية بالمستشفيات وتهيئة بيئة العمل للمدربين بالإضافة إلى انتهاج سياسة نقل الاختصاصين للعمل بالولايات للحد من الآثار وسد الفجوة الناجمة عن الهجرة، وأشار إلى أن السودان تقدم بطلب لمجلس وزراء الصحة العرب لوضع ضوابط لتنظيم هجرة الكوادر الصحية.
وكانت وزارة الصحة قد شرعت في تشكيل لجنة تضم مجلس الوزراء وعدداً من الجهات بغرض وضع المعالجات اللازمة للآثار السالبة المترتبة على هجرة الكوادر الطبية وتحديد موقف الحكومة منها، مشيرة إلى حاجة السودان إلى تعيين أكثر من (60) ألفاً في مختلف الكوادر الصحية في وقت فاق فيه عدد الكوادر المهاجرة عدد العاملين.
وفي ذات الاتجاه أقرت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بوجود إشكالات في قوانين الجامعات الخاصة والتي أصبحت تمثل ثلث الجامعات والكليات الموجودة بالبلاد، خاصة أنها أسهمت بصورة مباشرة في تشجع الهجرة، جاء ذلك على لسان وزيرتها البروفسور سمية أبوكشوة والتي أوضحت أن معالجة هجرة الأستاذ الجامعي ممكنة وتتمثل في العمل الجاد في تثبيتهم وجذبهم بطرق محددة بالإضافة إلى العمل على تدريب الذين يمكن أن يحلوا مواقعهم في الجامعات، مؤكدة مساعيها مع جميع الجهات ذات الصلة لتوظيف الكفاءات السودانية خاصة التخصصات النادرة، وتوفير البيئة الملائمة للعمل حرصاً على تلافي الفجوات التي يمكن أن تحدث حال تزايد الهجرات وعدم السيطرة عليها.
التغيير