> حركة واسعة اليوم في الولايات مع بدء تشكيل الحكومات الولائية الجديدة، تمهيداً للمرحلة المقبلة. وسرت روح مختلفة في الأوساط السياسية في كل محليات وولايات السودان، بعودة اللحمة الوطنية إلى ما كانت عليه، حيث يعكف الولاة وهم ليسوا من ولاياتهم إلا ثلاث ولايات تقريباً، على تشكيل حكومات لا نصيب كامل فيها لأبناء الولاية، حيث اقتضى التغيير أن يكون على الأقل وزيرين أحدهما (وزير المالية) في كل ولاية من منطقة أخرى، كما أن المعتمدين سيتم تعيينهم من خارج المحليات، وهو توجه جيِّد سيكون له أثره الفاعل في ضبط التحيُّزات الجهوية والإحساس بالعنصر والقبيلة، ولن يكون الوالي بأي حال نصير هذا أو ذاك في ولايته، على أساس القرابة أو صلة الدم أو النسب أو المصاهرة.. ولكم كان السودان خلال الفترات الماضية في حاجة إلى هذا النهج قبل أن تقع الفأس في الرأس، لكن أن تأتي في النهاية خير من ألا تأتي.
> للحقيقة.. المهمة القادمة للولاة مهمة شاقة وعسيرة للغاية، فجميعهم ورث تركة مُثقلة وخزائن خاوية وأوضاعاً مُزرية وخدمة مدنية بائسة لا تقوى على شيء، وهم يحاولون صناعة الشربات من الفسيخ، في ظل ظروف مالية معقدة تعاني منها الدولة وتقف حجر عثرة أمام تنفيذ الكثير من المشروعات والخطط والبرامج.
> وقد ترك كثير من الولاة السابقين ولاياتهم تعاني من حالة انقسام كبير داخل المجتمع، بسبب المحاباة وسوء ممارسة السلطة، وهذا الاعوجاج يحتاج الى وقت طويل لترميم التصدعات وجبر الأضرار وتهدئة النفوس وإعادة استقطاب الناس من جديد بعد فقدانهم الأمل في كل شيء حتى برامج وشعارات الإصلاح، ولن يستطيع الولاة الجُدد تغيير الحال إلا بانتهاج سياسات مرنة بكفاءة عالية لاستعادة الثقة التي فُقدت، واستجلاب واستحلاب رضي المواطنين بما سيقدمون من برامج وحُسن سيرة وسلوك راشد في ممارسة الحكم وخدمة عبادالله المساكين.
> وفي ما يبدو.. هناك رضى كبير عن التغيير الذي حدث، غير أن الولاة في ولاياتهم يحتاجون إلى اهتمام المركز أكثر، خاصة في ما يتعلق بالتنمية والخدمات وتحريك المشاريع الكبرى في الولايات، إضافة إلى سرعة التحرُّك مع الحكومة الاتحادية لتوفير احتياجات ومطلوبات الموسم الزراعي وكامل الاستعدادات لفصل الخريف الذي بدأ وسيكون بإذن الله خريفاً وفير الأمطار، وتكثر في فصل الخريف المشكلات المتعلقة بالبيئة والسيول وانتشار الأوبئة والأمراض، وتواجه الولاة أيام عصيبة تمتد لأشهر الخريف تكون اختباراً وتجربة عملية لنجاعة إدارتهم وقدرتهم على معالجة المشكلات ومواجهة التحديات التي أمامهم.
> وقد لا يشعر كثير من الناس هنا في الخرطوم، بأن أكبر مشكلة تواجه الولاة والحكومات الولائية، هي قلة الكوادر الإدارية والفنية في مختلف المجالات، خاصة المجال الخدمي. فقد تسربت من الولايات وعافتها أغلب كوادر الأطباء و المهن الصحية والمعلمين الأكْفَاء والمهندسين والإداريين وغيرهم، وصارت الولايات طاردة لا تُغري أحداً بالبقاء فيها. فقلة المغريات تسببت في إفقار الخدمة المدنية من كوادرها وعناصرها الفعالة. وينبغي على ديوان الحكم الاتحادي أن يعقد السمنارات وورش العمل مع الوزارات الخدمية المعنية في الحكومة الاتحادية لمعالجة مشكلة الكادر المفقود وتأهيل الكادر الموجود في الولايات، وستوفر مثل هذه الورش والمنتديات والسمنارات رؤية جامعة وجادة في كيفية معالجة الخلل وإنهاء الاعتلال والشفاء منه.
> علينا الإسراع في وضع الحلول الممكنة وتقوية الجهاز التنفيذي الولائي وإصلاح الخدمة المدنية ورفدها بالكوادر النشطة والمؤهلة، فلا نجاح للولاة وحكوماتهم التي ستُعلن اليوم أو غداً أو بعد غدٍ، دون أن يتوفروا على ظروف أفضل وخدمة مدنية تستطيع جعل الحلم حقيقة، وتجتهد في صناعة الواقع المنشود. فلو استطاع الولاة تخفيض نسبة العجز في الكادر والإيرادات وتحقيق الوقاية الطبية وخفض نسبة التسرب الدراسي ورفع نسب النجاح في التعليم العام وجعل المواطن يجد الحد الأدنى من الخدمات في مجال الصحة والماء النظيف والتعليم والكهرباء وتخفيف الغلاء.. لو استطاعوا ذلك، لأفلحوا ونجحوا ووضعوا أ رجلنا على الطريق الصحيح..