في شهر الخير والمغفرة يتسابق المسلمون لإرساء مبادئ التكافل الاجتماعي الذي جعله ديننا الحنيف أحد أهم مبادئ المودة والرحمة التي تشيع بين أفراده. وبما أن النموذج الإسلامي هو الذي يجب أن يحتذي به المجتمع في مختلف مناحي الحياة، فإن الهدي القرآني والسنة الكريمة في القول والفعل يجب أن يجسدهما أفراد هذا المجتمع حتى يصلوا إلى صورة المجتمع المثالي. فصور التكافل والتعاطف التي نقلتها السيرة النبوية العطرة هي مثال حي للأجيال الحالية والقادمة لما تم في ذلك العهد بين الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الأبرار. ومن هنا يأتي تأصيل المفهوم بوصفه إرثا إسلاميا أضيف إلى الإرث الفطري في الطبيعة البشرية الخيرة، بالإضافة إلى ما وجد من بعض الصفات الطيبة في المجتمعات الإسلامية التي تعظم من هذا الفعل كما نجده ماثلا بصورة واضحة في المجتمع السعودي.
وهذا النفع المتحقق للمجتمع هو من أوجه ما دعا إليه ديننا الحنيف، وعملا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى». كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي عن السيدة عائشة رضي الله عنها: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي». ومن أهله تمتد نظرة الرسول الكريم لتشمل المجتمع بأسره. وما يؤكد شمولية هذه النظرة ما رواه القضاعي في مسند الشهاب عن جابر رضي الله عنه، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «خير الناس، أنفعهم للناس». ويقصد بالناس هم من حولك من أفراد المجتمع، والخير يشمل معناه العام ماديا كان أم معنويا. فقد يكون النفع بإقالة عثرة أو لقمة لجائع أو إتاحة دراسة لمن حرم منها بسبب ظروفه أو علم ينتفع به.
وعلى الرغم من أن المسؤولية الاجتماعية متأصلة في مبادئ ديننا وتراثنا إلا أن التعامل معها كفكرة جديدة يضفي عليها طابع الغرابة مما يؤدي إلى العزوف عن التعامل وفقها. فالمجتمعات الحديثة في الغرب بعد أن استيأست من جشع الرأسمالية، بدأت تغوص في المعاني الإنسانية لقيم التكافل والتعاون. ظهرت المسؤولية الاجتماعية كفكرة مستحدثة في قمة دافوس 1995م بغرض توجيه قوى السوق والشركات والمؤسسات لتتبنى دورا اجتماعيا جاء من ميثاق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر 1948م وإعلان المبادئ والحقوق الأساسية في العمل الصادر عن منظمة العمل الدولية في عام 1998م، ثم إعلان ريودي جانيرو حول البيئة الصادر عن مؤتمر قمة الأرض عام 1991م، ثم توالت بعد ذلك النداءات بضرورة تبني هذه الفكرة المنبثقة عن إعلان المبادئ للأمم المتحدة في كل المؤتمرات اللاحقة، لتذكر البشر في كل مكان بضرورة إعلاء القيمة الأخلاقية والإنسانية والبيئية ليصبح العالم أكثر أمنا وسلاما.
وبنظرة عامة إلى قطاع الأعمال، نجد أن هذا القطاع ما زال يعتبر المسؤولية الاجتماعية نوعا من الوجاهة الاجتماعية، لأن الهدف الذي كان يتوجب أن تتم تلبيته في إطار العمل الخيري الواسع يتقلص بالإجراءات وحسب حاجة المؤسسة إلى ذلك. والسبب في الخلط بين مفهوم عمل الخير في إطاره الواسع والمسؤولية الاجتماعية، لأن أغلب قطاعات الأعمال تخلط ما بين إدارتها التسويقية التي تعتمد على أسس ترويجية لازمة لنجاح العمل وبين ما تقدمه للمجتمع ممثلا في الجمعيات أو المنظمات أو مكاتب الخدمة التابعة للشؤون الاجتماعية.
لا ضرورة لفصل المفهومين عن بعضهما البعض، بسبب أن الأول له تأصيل غربي، والثاني ماعونه فضفاض، وذلك لأن المفهومين في نهاية المطاف في منبع الخير يصبان.
mona.a@makkahnp.com