شاءت الصدف الرمضانية الجميلة، أن تجمعني مائدة إفطار في بيت صديقي الأستاذ ناصر السيد في الرياض – السعودية؛ بأحد لاعبي الكرة القدامى في نيالا )فتح الرحمن بابنوسة(، واستعدنا في هذه الجلسة ذكريات جميلة عن المدينة ومكونها المجتمعي في ثمانينات وتسعينيات القرن الماضي. وبالطبع تركز حديثا حول كرة القدم وأعظم اللاعبين الذين مروا على ملاعب المدينة، وما كانت تشكله هذه الملاعب من رابط اجتماعي عظيم يضم كل أطياف المجتمع النيالاوي الصغير. حين دار الحديث عن لاعبي الكرة العظام ممن مهروا ميادين نيالا بعرقهم ومجهودهم الرياضي، توقفنا بشكل خاص عند ثلاثة لاعبين رأينا باتفاق أنهم أعظم من أنجبتهم الكرة النيالاوية، وهم الأمين محمد آدم (الليمن أوقو – أوقة)، وعثمان بابنوسة (بوكش) وشقيقه الأصغر مبارك (بوكش الصغير). فالثلاثة لو شاءت الأقدار وقتها وانضموا إلى فرق المقدمة العاصمية فمن المؤكد كان سيتم تتويجهم ضمن أفضل اللاعبين الذين مروا على السودان وحتى على مستوى أفريقيا. فاللمين أوقو بلا منازع كان أهزوجة الملاعب وأيقونتها المبهرة في تلك الفترة، منذ أن كان طالبا في مدرسة نيالا الفنية وإلى أن التحق بفرقة الهلال الذهبية في ذلك الأوان، حيث قدم أجمل المواسم الكروية العالقة في ذاكرة المدينة. لاعب فلتة، ملتزم بنشاطه الكروي، وبأداء تمارين اللياقة العنيفة بصورة تقترب من (الصوفية)، يمارسها بشكل فردي – يومي وبمنهج صارم لا تنازل فيه قط. يلعب بالقدمين وبذات المستوى في التسديد القوي وإحراز الأهداف من كل الزوايا، تميز بذكاء كروي نادر في المراوغة وتوزيع الكرات وقيادة المجموعة.. موهبة عظيمة وإبداع لن يتكرر. الأخوان بوكش جاءا من مدينة بابنوسة، واشتهر عثمان الأكبر بلقب بابنوسة إلى جانب بوكش. والاثنان لعبا لفريق الهلال النيالاوي، وقدما عصارة موهبتهما لشعار هذا النادي. تميز عثمان بتلك القدرة الثعلبية التي تميز كبار المهاجمين العالمين، فكان يحرز الأهداف من أنصاف الفرص، كما اشتهر بأهدافه الرأسية المبهرة رغم قصر قامته النسبي، حريف بحيث يصعب إصابته كما يستحيل انتزاع الكرة من بين قدميه، لعب لفترات طويلة جدا وبمستوى ثابت وكأنما خلق لاعبا شابا أبديا للكرة. مبارك، بوكش الأصغر، جاء إلى نيالا ليلتحق بمدرستها الثانوية وفي نفس العام حقق نجوميته الكروية التي استمرت إلى حين مغادرته المدينة، وظلت ذكريات صولاته الكروية ماثلة في ذاكرة ميادين نيالا حتى الآن. لاعب وسط من عجينة خاصة، مرن الجسد، مراوغ ماهر، قوي البنيان، في كل عام ينافس مهاجمي الأندية الأخرى وناديه على لقب هداف الدوري، وربما أجمل الأهداف وأكثرها صعوبة وجمالا أحرزت من بين قدميه ورأسه وصدره؛ كل جزء من جسده كان يشارك في إحراز الأهداف.. كان عظيماً وملهماً، وإبداعيا في المراوغة، والحركة الميدانية، والإفلات من المراقبة. كم أحببت تلك الطريقة التي كان يعد بها أوقو نفسه للمباريات، ذلك الصمت والصبر على التمارين الشاقة، وتلك الثقة التي تتواثب من بين قدميه مع كل خطوة يخطوها, وكم طربت للأخوين بوكش وهما يلعبان بذلك الصدق والإخلاص، متفانيان في الميدان وخارجه, كم أحببتهما. وهناك كان أيضاً )ود الشواطين، وديسي، وأب لفتة، وطارق(، وكثيرون آخرون أمتعونا بلعبهم للكرة وحفزونا بسلوكهم وجديتهم. يا حليل نيالا.