حكومات قادمات

طلب ديوان الحكم الاتحادي من كل ولاة السودان ترشيح اثني عشر قيادياً من كل ولاية، يصلحون لتولي منصب الوزير في ولايته وخارجها.. وعكف الولاة خلال اليومين الماضيين في ترشيح الاثني عشر وزيراً تمهيداً لتقديمهم اليوم (الثلاثاء) لديوان الحكم الاتحادي كآخر يوم لتسلم ظروف الترشيحات.. قبل أن يقوم الوزير بديوان الحكم الاتحادي وأجهزته بتوزيع كشف الوزارة على الولايات تبعاً للمنهج الذي عين به الولاة أخيراً.
ولما كان غالب الولاة يجهلون تماماً القيادات التي تصلح لمنصب الوزير داخل الولاية أو خارجها.. لجأ الولاة للمكاتب القيادية لحزب المؤتمر الوطني يبثون فيها الحياة والحيوية نشطت الاجتماعات في رمضان.
واختار بعض الولاة مرشحيهم وفق ما جاء في ترشيحات المكاتب القيادية.. لتعلن الحكومات الجديدة الأيام المقبلات.. وتبدأ بالخرطوم التي سيجد الفريق “عبد الرحيم محمد حسين” عسراً شديداً في التعاطي مع الملف السياسي للولاية لأن الجنرال الذي انصرف منذ 25 عاماً للشأن الأمني والسياسي في القصر الرئاسي لا تتوفر له أية معلومات عن قيادات ولاية الخرطوم ورموزها الذين يصلحون لتحمل المسؤولية معه في الفترة المقبلة.. ولكن من حسن حظوظ الجنرال “عبد الرحيم” أن حكومة ولاية الخرطوم القديمة التي جدد فيها الثقة بها كفاءات نادرة جداً ولا يمكن الاستغناء عنها لمجرد أنها عملت في المرحلة الماضية مع الوالي السابق.
وذات المشقة سيواجهها في النيل الأبيض “د. عبد الحميد موسى كاشا” لوجود تعقيدات شديدة في المشهد السياسي لحزب المؤتمر الوطني وانقسامه لتيارات ومجموعات صغيرة وكبيرة تتصارع حول من يتولى الوزارة والإمارة، وقد أقبلت كل تلك المجموعات على الوالي إقبال المرضعات على الطفل الفطيم بحثاً عن مصالحها، لكن خبرة “كاشا” قد تجعله يمحص التفاحات الفاسدة من الصالحة.. وهناك بعض الولايات قد لا يوجد من أبنائها في مجلس وزرائها.. مثل ولاية “شرق دارفور” المنقسمة أشد الانقسام ما بين رزيقات ومعاليا.. وحتى الآن لا يعرف وصفة ديوان الحكم الاتحادي لتعيين المعتمدين، هل يطلق يد الولاة لتعيين المعتمدين وفق ما تمليه عليهم التوازنات الداخلية.. أي كل محلية يأتي معتمدها من صلبها؟؟ أم يتم تعيين المعتمدين من الخارج؟؟ قد بصعب كثيراً على معتمد جاء من مدينة الخرطوم وتربى في أحيائها.. ودرس الجامعة في الخرطوم وأم درمان وتنقل في الوظائف ما بين مصرف وشركة وفجأة يجد نفسه منقولاً إلى محلية مثل (أم دخن) على حدود السودان وتشاد ليعيش وسط مجتمع غريب عنه وفي ظروف بالغة القسوة لا كهرباء.. ولا ماء .. ولا ضروريات الحياة وتطلب منه أن يقدم عطاءه لأهل تلك المنطقة أو أن يعين لمحلية الخرطوم معتمد من (هيبان) بجبال النوبة درس الجامعة في الأبيض وظل طوال فترته العملية متنقلاً بين الدلنج ولقاوة وفجأة تزفه الاقدار السياسية لتولي منصب معتمد الخرطوم التي يجهل شوارعها ومشاكل الحياة ونظافة الأسواق.. تحضرني هنا قصة الوالي “خميس جلاب” الذي جاء من قيادة الجيش الشعبي لمنصب الوالي في “جنوب كردفان” وقد أبلغه وزير التربية في ذلك الصباح أن المعلمين قد أضربوا عن العمل بسبب المرتبات التي لم تصل منذ الشهر الماضي، فسأل الوزير من هو الشخص الذي أمر المعلمين بالإضراب؟ فقال له رئيس اتحاد العمال.. وجه حرسه الخاص بالقبض على رئيس العمال.. حملوا الرئيس النقابي المسكين على “بوكس” وقذفوا به على الأرض.. ليدخل مكتب الوالي مذعوراً. فقال “جلاب” شوف يا زول أنا عندي خمس عشرة سنة في الغابة لم يصرفوا لي مرتباً، أنت قاعد هنا تحرض الناس على الإضراب، إذا لم يعد المعلمون غداً للمدارس سيكون عندي معاك كلام تاني.. أخرج من هنا يا زفت.. تلك من المفارقات الثقافية بين مجتمع ومجتمع.. فكيف يمكن مراعاة فروق الزمان والمكان في التعيينات الولائية؟.

Exit mobile version