كشف التقرير الأميركي بشأن حقوق الإنسان للعام المنصرم الكثير من الحقائق الصادمة، وفي مقدمتها أن الولايات المتحدة على مدار العام المنصرم شهدت ممارسات عنصرية القت بظلالها على سجلها في مجال حقوق الإنسان، واستشهد التقرير بحوادث قتل رجال شرطة بيض لفتيان سود في الكثير من المدن، وأخيرا قتل رجل أبيض لتسعة من السود في كنيسة للأميركيين الأفارقة في ولاية كارولينا الشمالية.
ولكن اللافت في الأمر أن الإدارة الأميركية لا تجد في نفسها حرجاً في إيراد اسم بلادها ضمن الدول المنتهكة لحقوق الإنسان خلال العام المنصرم، ومن هنا تأتي المعالجات، فالاعتراف بالمشكلة هو أول خطوة في طريق حلها.
أقرَّ وزير الخارجية الأميركي جون كيري، بأن بلاده لديها مشكلاتها الخاصة بشأن حقوق الإنسان. وقال كيري إنه لا يوجد هناك (نفاق) أو غطرسة في رصد أميركا لانتهاكات حقوق الإنسان في مكان آخر، وقال “لا يسعنا إلا الشعور بالخزي عندما نشهد ما شاهدناه العام الماضي من عدم الوفاق والاضطراب العرقي، نعالج هذا بكثير من الوعي الذاتي”.
إذن الكلمة السحرية في تعليق وزير الخارجية الأميركي على تقرير الخزي والعار على بلاده التي توصف بأنها جنة الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان هي (الوعي الذاتى) وهي المفتاح، فهل غاب عن الجيل الجديد من الأميركيين وعيهم بذاتهم كونهم في الأصل أمة من شتات الأمم تجمعت وتوحدت وانصهرت، فنتج عنها هذا المزيج الذي أسس أكبر دولة في التاريخ الحديث بات يتهددها اليوم غياب هذا الوعي بالذات الأميركية المتعددة الأعراق والأديان التي توحدت في لغة واحدة هي الإنجليزية، وأن بلكنات مختلفة تكشف عن الجذور العميقة للمهاجر الذي بات مواطنا أميركيا، فلا تزال للآسيويين طريقتهم في النطق، وكذلك اللاتينيون الذين يتشبث بعضهم بالإسبانية أو البرتغالية، والبعض انصهر تماما حتى من الهجرات المتأخر جدا قبل عقدين أو ثلاثة ولم يتبق لهم سوى طريقة النطق وأسماء العائلات التي تشير إلى موطن أجدادهم الأصليين، هذا المستوى من الانصهار الذي كان إلى وقت قريب نموذجا يحتذى عبر العالم لم يأت من فراغ، بل ثمرة نضالات شاقة لانتزاع الحقوق المدنية وإلغاء قوانين العبودية والتميز بسبب اللون، وشهدت تلك المرحلة التاريخية بلورة الوعي الذاتي بقيمة الوحدة في التنوع وهو ما منح الدولة والمجتمع القوة التي تتجلى الآن على مسرح السياسة الدولية، وفي الاقتصاد والصناعة والتكنلوجيا أو الولايات المتحدة الأميركية.
غياب الوعي الذاتي أصاب النموذج الكوني لانصهار شتات الأمم في دولة حديثة في مقتل الانتكاسة إلى ظلام التمييز والعنصرية وبكثير من الوعي الذاتي يمكن تصحيح المسار.