النظافة.. ليست بالفزعة والحملات

جيد جداً.. أن تكون حساسية والي الخرطوم الجديد عالية تجاه أوساخ الخرطوم، وبيئتها الملوثة.. والتي تعني انتشار الأمراض والأوبئة.
لدينا مشكلة حقيقية في موضوع النظافة في بلادنا.. مشلكة متعددة الجوانب، فهي مشكلة ثقافة، إذ أن ثقافتنا في النظافة حدودها الاهتمام بنظافة بيوتنا ونظافتنا الشخصية، أما نظافة الشارع العام فليست مدرجة في قائمة اهتمامات الكثير جداً من المواطنين.. والنظافة كذلك هي إدارة وتنظيم لكنها فوق ذلك هي قوانين وتشريعات ولوائح صارمة.
معظم السودانيين المقيمين في دول العالم المختلفة يلتزمون بشكل صارم بلوائح النظافة العامة في البلد الذي يقيمون فيه أو حتى يزورونه فتجدهم ملتزمين بالقانون وسلوكياتهم صحية، إذ لا تجد منهم من يقذف بقارورة مياه من نافذة السيارة أثناء سيره أو يرمي بنفاياته في غير المكان المخصص لذلك، لكنهم حين يعودون إلى السودان يتخلى الكثير منهم عن هذه الثقافة لأنه وببساطة لا يجد قوانين وتشريعات صارمة خاصة بالنظافة وصحة البيئة في بلادنا وهذا هو الجانب الثاني في قضية النظافة.. فهي أولا ثقافة ثم قوانين ثم إدارة جيدة لعملية الرقابة على السلوك العام والالتزام من جانب الدولة بالتخلص من النفايات يومياً وبشكل كامل ومنظم..
الأمر قد يكون مكلفاً لكن تكاليفة لا تسوى شيئاً أمام تكاليف علاج الأمراض التي تنتشر بسبب تردي البيئة..
أنت في بيئة متسخة إذن أنت مريض.. اليوم أو غداً.. وأنت في بيئة نظيفة إذن أنت غير معرض للإصابة بقائمة طويلة جدا من الأمراض المتعلقة بصحة البيئة.. وهي تمثل نسبة عالية جداً من الأمراض التي تفتك بالشعب السوداني.
أعتقد أن أهم أسباب تردي البيئة العامة هي ما يسمى بحملات النظافة.. فكلمة حملة تفيد التوقيت وتعني القيام بفعل موسمي أو فعل طارئ في فترة زمنية محددة، وإلا لكنا استبدلنا اسم الجيش الذي يوفر الحماية للوطن وسميناه (الحملة العسكرية) وسمينا مؤسسة الشرطة (الإدارة العامة لحملة حفظ الأمن) وأطلقنا على وزارة التربية اسم (وزارة حملة التعليم)..!.. مشكلتنا في المسمى ومعناه الذي يفيد انتهاء فعاليته بعد وقت قصير هو زمن الحملة.
نريد نظافة مؤسسية تعتمد على نظم إدارية ثابتة وروتينية ومحكمة ومنضبطة في وقتها تتم تحت مظلة واسعة من التشريعات القانونية الصارمة.. التي تجعلك حين تتجاوز قانون النظافة تتلقى عقوبة فورية بدفع غرامة مالية مؤثرة.. هذا هو النظام الذي تلتزم به كل دول العالم النظيف.
ونحن شعب نظيف في قلبه ونظيف في بيته ونظيف على المستوى الشخصي لكن سلوك الفوضى في الشارع العام لا يتغير إلا بتطبيق القوانين التي تلتزم بها الدولة قبل المواطن بأداء دورها كاملاً وبشكل منتظم وتشطب كلمة (حملة) من قاموسها نهائياً وتستبدلها بكلمة (نظام) وستكتشف حينها أن معالجة المشكلة لم تكن تحتاج إلى عبقرية.
بالمناسبة مأمون حميدة الذي تم تعيينه رئيساً للجنة العاجلة لإعادة النظر في كل أوضاع النظافة بولاية الخرطوم ليس هو الأنسب لهذه المهمة بدليل أوضاع النظافة في المستشفيات والمراكز الصحية في ولاية الخرطوم التي تقع تحت مسؤوليته المباشرة.
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.

Exit mobile version