{ الحكومة وحدها تفاجأت بتجديد الولايات المتحدة الأمريكية عقوباتها المفروضة على السودان بالإبقاء على اسم بلادنا ضمن الدول الراعية للإرهاب!! وهي عقوبات قاسية بحق بلادنا المسكينة وتعني استمرار معاناة السودانيين في الحصول على التكنولوجيا الحديثة وأن يظل حامل الجواز السوداني مشبوهاً يدقق موظفو المطارات في المعلومات التي في جواز السفر.. يطلب من السوداني في بعض الأحيان الانتظار ساعات بينما بقية المسافرين يذهبون لحالهم.. السوداني في عيون الغرب شيئ ينتمي لعالم آخر.. في إحدى زياراتنا لأوروبا جلسنا والصديق “عبد الرحمن الأمين” و”مصطفى أبو العزائم” و”أحمد دقش” في مقهى بمدينة فولتير الفرنسية نحتسي الشاي وعصير العنب..ورجل سبعيني يعزف على البيانو بمهارة وتنبعث من المكان موسيقى حالمة وأضواء خافتة والمطر يهطل بغزارة.. ونظر لألوان بشرتنا السمراء وسأل هل من السنغال أو مالي ؟؟ قال “عبد الرحمن الأمين” من السودان، فتغيرت ملامح وجه الرجل بسرعة وسألنا لماذا تقتلون شعب دارفور بتلك البشاعة؟؟ حاولنا أن نشرح للرجل أسباب الصراع ودواعيه ومساعي الحكومة لعلاج أزمة الحرب لكنه كان غير مستعد للإصغاء لنا. وقد رسخت في ذهنه معلومات من الإعلام عن السودان يصعب عليه مراجعتها .. تلك من آثار العقوبات الأمريكية التي طالت السودان لا بسبب عقيدته الإسلامية كما يعتقد كثيرون وإلا كانت المملكة العربية السعودية والكويت ومصر وتونس وتركيا في طليعة المعاقبين بالعقوبات الأمريكية.. باعتبار تلك البلدان أكثر إسلامية من السودان وغالبها أرض رسالات ومهبط وحي. وبلادنا حتى بعد فصل الجنوب هناك نحو (17%) من السكان إما مسيحيون أو من أصحاب المعتقدات المحلية كما هو الحال في جبال النوبة والنيل الأزرق.
وتجديد الولايات المتحدة لعقوباتها على السودان إجراء روتيني إلا إذا تغيرت سياسات الولايات المتحدة.. وتبدلت المواقف وأقبل السودان على معالجة جذور الأزمات التي تعصف بأي تقارب بينه والدول الغربية، والقضايا التي تقف حجر عثرة لنهوض حوار سوداني أمريكي يفضي لاتفاق على التعاون وعودة العلاقات إلى ما كانت عليه في السابق كطموح تسعى إليه الحكومة، ولكنها في ذات الوقت غير مستعدة لدفع استحقاقات تحسين العلاقات، والقضايا التي تقف حجر عثرة كؤود في طريق التفاوض هي الحرب في دارفور والمنطقتين وثانياً أوضاع حقوق الإنسان وثالثاً الديمقراطية وأخيراً علاقات السودان ببعض الأطراف الإقليمية إيران نموذجاً .. وبشأن الأخيرة صحح القصر الرئاسي من خلال دبلوماسية مكتب الرئيس وعرابها الفريق “طه عثمان” خطايا الماضي.. وتباعدت المسافة بين الخرطوم وظهرت وتقاربات الخرطوم مع الرياض وأبو ظبي والقاهرة والكويت، ولكن أي تقارب مع دول الخليج وتباعد في ذات الوقت مع الولايات المتحدة لا تتعدى ثمراته المطالبات الشفاهية والوعود التي تنتظر انفراجات مع الولايات المتحدة.. بعض الحالمين الواهمين من ساستنا يظنون وبعض الظن سذاجة وغفلة أن دول الخليج يمكنها تطبيع علاقاتها مع السودان على حساب علاقاتها مع واشنطون، وتلك من الأمنيات التي لا يسندها في الواقع حيثيات لكن تطبيع العلاقة بين الخرطوم وواشنطون من شأنه فتح أبواب مغلقة من تلقاء نفسها لأن العلاقة هنا علاقة تابع ومتبوع!
خسائر السودان فادحة جداً من تبعات وصمه بالدولة الراعية للإرهاب من قبل الولايات المتحدة ومن بعدها يأتي دور الاتحاد الأوروبي ودول الشرق من الصين وروسيا وماليزيا لم تفلح بعد في جعل ميزانها الاقتصادي يتواءم مع دورها السياسي. ورغم ما يتبدى من مظاهر تناقض وتباعد لكن الارتباطات الاقتصادية بين دولة مثل الصين والولايات المتحدة غالية جداً . ولا غنى للصين عن الولايات المتحدة وهل يعتمد الرئيس “البشير” في سنوات حكمه الجديدة على سياسات جديدة تحدث اختراقاً في جدار الصمت العازل بينه والغرب، وذلك من خلال معالجات الأسباب والتوترات الداخلية والخارجية.