اختارت زوجة وزير الداخلية الإسرائيلي سيلفان شالوم الإشارة إلى الرئيس الأمريكي بنكتة عنصرية وضعتها على صفحة وسيلة التواصل الاجتماعي «تويتر» باللغة الإنكليزية تقول إن قهوة أوباما «سوداء وضعيفة»، في ربط بين لون بشرة باراك أوباما وضعفه السياسي.
أما سفير إسرائيل السابق في واشنطن مايكل اورن فنشر مقالة في نهاية الأسبوع الماضي في مجلة «فورين بوليسي» بعنوان «كيف فتح أوباما قلبه للعالم الإسلامي» يربط فيها بين انحداره من أب مسلم من كينيا، وزواج أمه من مسلم آخر من أندونيسيا، مع سياساته المتعلقة بالعالم الإسلامي ليبرهن، من خلال مجموعة وقائع، على علاقة ذلك بعدم تعاطفه مع اليهود.
مستبدلاً التحليل السياسي بالتحليل النفسي، يعزز أورن فرضياته حول سياسة الرئيس الأمريكي الخارجية بالعودة دائماً إلى هذا الرابط في شخصية أوباما، فيجد التعامل الأمريكي مع رجب طيب أردوغان ومحمد مرسي تفسيره في هذه «العقدة الإسلامية» في لا وعي أوباما، وليس بالسياسات الكبرى التي تشرف «المؤسسات الأمريكية» على آليات اشتغالها، وهي فرضية تحلّ نفسها بنفسها، لأن الإدارة الأمريكية نفسها التي تعاملت مع مرسي تعاملت بعده مع السيسي، وتقاربها المزعوم مع أردوغان «الإسلامي» لا يفسّر بحال التفارقات الكبيرة معه حول الموضوع السوري، أو الموازنات الصعبة بين العلاقات «الاستراتيجية» مع السعودية (وهي بلد إسلامي) وإيران (وهي بلد إسلامي آخر) إلى آخر ما يمكن التقاطه بسهولة من مقارنات لدحض فرضية «أورن» عن «إسلامية» أوباما.
والحال أن نكتة المذيعة التلفزيونية جودي موسز، على خفتها، تندرج، من دون كبير صعوبة، في السياق نفسه الذي خصص السفير الإسرائيلي السابق سنوات من عمره الدبلوماسي في واشنطن لدراسته، وهو أمر يمكن مناقشته ودحضه سياسياً، من دون كبير حاجة للتفتيش عن جذوره النفسية في الشخصية اليهودية، لو أراد المرء مماحكة فرضيات أورن المهلهلة.
يوجه أورن صلب انتقاداته لإدارة أوباما حول ما يزعمه من عملها على تحسين العلاقات مع تيارات الإسلام السياسي المعتدل، وهو اجتهاد سياسي صائب لقيادة أمريكية اكتوت بلادها بآثار الحرب الهمجية التي شنتها قيادة سابقة عليها ضد بلدين مسلمين، ولا يحتاج تفسيره إلى «عبقرية» النبش في طفولة أوباما وعلاقة أمه بزوجيها السابقين ورغبته في إرضاء المسلمين على حساب اليهود.
ورغم المرارة والخيبة اللتين سيتذكر بهما العرب والمسلمون باراك أوباما بعد رحيله، فإنهم سيتذكرون أيضاً أن انتخابه كان إنجازاً كبيراً لنضال شاق وطويل للسود والأقليات في أمريكا، وأنهم، مثلهم مثل أولئك الأمريكيين الذين صوتوا له، حلموا أن يكون عهده قادراً على تحقيق تغيير حقيقي في بلدانهم التي انضم الكثير من شعوبها منذ عام 2011 إلى شعوب العالم في توقها العظيم إلى التحرر من الاحتلال والاستبداد.
تلخيص السياسة الأمريكية المعقدة نحو دول العالم الإسلامي في شخصية أوباما بهذه البلاهة النظرية كان يجب أن يصدر عن سفير دولة مثل إسرائيل ينظر حكامها وحاخاماتها للبشر على أنهم أغيار «غوييم» من جنس أدنى، وإلى أديانهم على أنها أكاذيب، وإلى شعوبهم بمقياس التحكم والسيطرة والاستيلاء.
كل ذلك لا يعني الدفاع عن سياسات أوباما تجاه العرب والمسلمين، وبالوقت نفسه لا يبرر مهاجمتها بالأسس الإستشراقية العنصرية التي يعتنقها أورن.
والحقيقة، في الأخير، التي يجب أن تقال هي أن الكثيرين من المسلمين يشاركون أورن نظرته التبسيطية إلى السياسة الأمريكية، وأن الكثير من النخب والحكام العرب لا يختلفون في نظرتهم العنصرية والاستشراقية إلى أوباما، وإلى شعوبهم، عن سفير إسرائيل السابق.
رأي القدس