في خبر الزميلة (نازك شمام) بأولى يوميتنا هذه عدد أمس قال مصطفى عثمان إسماعيل الوزير بالجهاز القومي للاستثمار، وهذا مسمى وظيفي غريب (وزير في جهاز)، لكن نقول شنو؟ ما علينا، قال الوزير بالجهاز، إن الخطوط السودانية تحتاج إلى وقفة عاجلة توقف التدهور الذي لحق بها، وإن ما يحدث فيها هو انعكاس لأمراض مختلفة لا بد من معالجتها). فماذا قال يا ترى؟ بالطبع ليس مطلوباً من أي وزير أن يقول للناس في ندوات عامة ما يعرفونه أصلاً، فكل السودانيين يعلمون التدهور الذي حاق بالخطوط السودانية، هذه واحدة. أما الثانية، فقوله إن الأمر يحتاج لوقفة عاجلة، يبدو جملة زائدة يمكن لأي أحد في هذا السودان الفسيح أن يُطلقها في (ونسة يومية)، ولا تحتاج إلى تنفيذي عتيد كي يشيعها بين العالمين، إذ كان الأجدر أن يقدم تصوراً دقيقاً أو إطاراً عاماً لوقف هذا التدهور المريع.
في ذات المنتدى الذي كان يتحدث فيه الوزير تحت عنوان (الخطوط الجوية السودانية.. الواقع مآلات المستقبل)، كشف لنا مدير الخطوط ذاتها عن جملة من الأمور منها أن مديونية الشركة بلغت (362) مليار جنيه، وهذا أمر متوقع في ظل التدهور المعروف، لكن ما أزعجني في مداخلة المدير العام، عبد المحمود سليمان، الواردة في الخبر المشار إليه أعلاه، أنه وصف الهوية القانونية لمؤسسة يديرها هو شخصياً بأنها غير واضحة ومزدوجة التعامل، وفصّل في ذلك وفسّر، فكيف يا ترى يقبل شخصاً أن تسند إليه إدارة مؤسسة مجهولة النسب القانوني والإدراي، ثم يأتي ليعلن ذلك في ندوة عامة ومفتوحة، وكأن الحديث لتلك الندوات (سيُشرعِن) له نسب مؤسسته ويوفق أوضاعها، وهيهات.
لكن الأهم من ذلك كله، أن عبد المحمود أشار إلى أن مؤسسته تملك تسع طائرات لا تعمل منها إلا واحدة (فقط لا غير)، ما اضطرهم إلى اللجوء لاستئجار الطائرات وأن (قروشهم كلها رايحة) في هذا الأمر، وكشف عن أن (الخطوط) تمتلك (62) قطعة أرض كأصول، لكنها تُمسك عن بيعها خشية الإعلام.
أيها الناس، اقرأوا وتدبروا، تلك الأفادة مقصومة الظهر، حسيرة الظل، والتي لم تقل شيئاً واحداً مفيداً، بل وكشفت عن أن المسؤولين في المؤسسة العريقة و(السيادية)، لايمتلكون إلاّ (الشكيّة)، ولمن؟ للمواطن الغلبان، والصحافة (الغلبانة)، التي يخشى منها فيمسك عن بيع الأراضي الـ(62)، فمن يصدق ذلك، كيف تخشى (الجوية السودانية) الصحافة في أمر يمكن أن يقوم به (أصغر) سمسار أراضٍ في السوق العربي، ولا تخشاها في بيع (نفسها) إلى عارف و(ما عارف إيه).
على كلٍّ، لو صمتت المحركات النفاثة، لحلت علينا السكينة والهدوء، لكن لا زالت تدور في (الخواء)، بينما تترك الفضاء لآخرين.
الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي