أبرز القضايا التي تطرقت لها التعديلات الدستورية الأخيرة التي أجازها البرلمان المنتهية ولايته أوائل هذا العام، كانت إلغاء المادة المتعلقة بانتخاب الولاة المباشر من جماهير الولاية. يومها أوقفت التعديلات الدستورية هذا النظام مع أنه ظل معمولاً به منذ التوقيع على اتفاق السلام الشامل (نيفاشا)، واستعاضت عنه بتعيينهم من قبل رئيس الجمهورية. ولعل تلك التعديلات سيترتب عليها معطيات جديدة تتصل بالآلية الخاصة بمراقبة الولاة ومتابعة أدائهم والتي كانت في السابق مقتصرة على المجالس التشريعية الولائية.
ثلاثية الأبعاد
منح رئيس الجمهورية في دستور السودان الانتقالي لسنة 2005م تعديل 2015م الحق في تعيين الولاة، ترتب عليه جعل الولاة الذين تم تعينهم رسمياً قبل ثلاثة أسابيع خاضعين لرقابة ثلاث جهات، أولهما رئيس الجمهورية ومؤسسة الرئاسة، وثانيهما مجلس الولايات الذي بات لديه الحق في استدعاء الولاة ومطالبتهم بتقديم تقرير أداء والتحقيق مع الولاة والتوصية لرئيس الجمهورية بعزلهم إذا ما اعتبروا فاقدين لثقة المجلس. أما الجهة الثالثة التي يحق لها مراقبة أداء الولاة فهي المجلس التشريعي لولاية الوالي المعني.
رئيس إلا “شبر”
أبرز المترتبات على الانتخاب المباشر للولاة الذي تم تطبيقه لأول وآخر مرة في انتخابات أبريل 2010م هو تمتع أولئك الولاة بحصانة سياسية وتشريعية غير مسبوقة. لدرجة أن إقالة الوالي كانت من حق المجالس التشريعية الولائية، وطبقاً لنصوص قانون الانتخابات – قبل تعديله – ففي حالة إقالة الوالي من موقعه بناء على قرار من المجلس التشريعي يقوم رئيس الجمهورية بتعيين والٍ آخر لحين انعقاد الانتخابات. وفي حال فوز الوالي المُقال بالانتخابات يتم حل المجلس التشريعي للولاية على أن يتم إجراء انتخابات تكميلية لاختيار مجلس تشريعي جديد. وخلاصة السلطات والصلاحيات الممنوحة للولاة جعلتهم فعلياً بمثابة رؤساء لولاياتهم حتى أن بعض مناصري الولاة لم يجدوا حرجاً في أن يجعلوا من ولاتهم زعماء على نحو ما كان يردده أنصار عثمان يوسف كبر والي شمال دارفور السابق (كبر.. رئيس إلا شبر).
تماهي الأجهزة
من بين الجوانب التي أضعفت الرقابة على الولاة هو ترك الأمر برمته للأجهزة التشريعية بالولاية. ولما كان معظم أولئك الولاة هم فعلياً وعملياً رؤساء حزب المؤتمر الوطني الحاكم بالولاية، فإن هذا الوضع مكّنهم من السيطرة على الأجهزة الحزبية والسياسية، سواء كانت تشريعية أو تنفيذية وهو ما خلق حالة من التماهي ما بين تلك الأجهزة الرقابية وبين الوالي. وباتت عملياً خاضعة لسيطرته المطلقة مما أدى إلى إضعاف دور الرقابة عليه، حيث بات الوالي أمامها هو (الخصم والحكم) ولم يتجاوز دور تلك المؤسسات الرقابية في أفضل الأحوال مراقبة الوزراء الولائيين أو المعتميدين وما دونهم من الجهات التنفيذية التابعة للولاية.
ربما يكون بمقدور الولاة الذين تم تعيينهم مؤخراً – قياساً على تجارب سابقة – السيطرة على مفاصل الحزب بالولاية، ووضع يدهم على الأجهزة التشريعية، على نحو ما كان يفعله الولاة المنتخبين مباشرة، لكن الفارق يمكن في أن سيطرة الولاة الذين تم تعيينهم على الأجهزة التنفيذية والحزبية والتشريعية بالولاية لن تكون عاصماً لهم من الإقالة، على اعتبار أن تلك الأجهزة ليست مثل السابق، ولا تملك حق الإبقاء على الوالي أو عزله.
ثم إن هذه السيطرة لن توفر للولاة الجدد الحماية ولن تحول بينهم وبين المساءلة والمراقبة نظراً لوجود جهات اتحادية ممثلة في رئاسة الجمهورية ومجلس الولايات تتمتع باختصاص مساءلة ومحاسبة ومراقبة أداء الولاة.
تحدي المركز
لم يقتصر تأثير سيطرة الولاة المطلقة على ولايتهم في قدرة الأجهزة الولائية على مراقبة أدائهم، ولكن أضيف لها أمر يتصل بوجود كوابح وموانع دستورية قيّدت السلطات المركزية تجاههم وشرع بعض الولاة في تكسير عصاة الطاعة في مواجهة المركز وتحديه تارة في ما يتصل بقسمة العوائد والإيرادات ومرة بإدارة ولاياتهم وكأنها دول قائمة بذاتها ورفضهم الالتزام بموجهات المركز.
خلال السنوات الماضية اضطر عدد من الولاة المنتخبين لتقديم استقالاتهم بناء على ضغوط شديدة من المركز لتسببهم في إثارة عدد من المشكلات بولاياتهم أبرزهم والي القضارف كرم الله عباس ووالي الجزيرة البرفسور الزبير بشير طه، في ما تمت إقالة مالك عقار بموجب إعلان الطوارئ وأحكامها في إعقاب اندلاع الحرب بولاية النيل الأزرق في العام 2011م.
صحيفة الصيحه