في مثل هذا اليوم – من شهر رمضان- قبل (16) عاماً وقعت المفاصلة الشهيرة بين (القصر والمنشية) والتي أطاحت – ولأول مرة في تاريخ الحركة الإسلامية- بنفوذ الدكتور حسن الترابي (صاحب الملكية الفكرية للإنقاذ) وحولته إلى معارض.. ثم معارض جداً حد امتشاق السيف في الحركة الشهيرة التي اتهم بها الحزب الشعبي وأودت بخيرة عناصره إلى ما وراء القضبان لمدد طويلة ..
وأعيد بعدها هيكلة الحركة الإسلامية على النحو الذي أفضى إلى واقعها الراهن..
في تقديري.. أن واحد من أكبر الأخطاء التي ارتكبتها الحركة الإسلامية فأورثها هذا المستقبل المجهول.. أنها فشلت في استلهام الفكر (المؤسسي) الذي حض عليه الإسلام.. حتى هذه اللحظة لا يزال فريق كبير من الحركة يتحدث عن (التربية) بمفهومه النمطي الذي يستهدف سلوك الفرد الشخصي معزولاً عن السلوك المؤسسي الجماعي.. فجاء عهد صار صيام الإثنين والخميس من كل أسبوع والحرص على مواسم العُمرة والحج.. لا تكف أبشع المحرمات (المؤسسية) التي ترتبط بالسلوك (المؤسسي)..
حالة فصل كامل لكل النصوص الإسلامية التي تتحدث عن السلوك الفردي في مقابل السلوك المجتمعي أو المؤسسي.. فالصدق والإحسان والطهارة وغيرها– في رأيهم- هي صفات مطلوبة في المسلك الفردي.. لا المؤسسي.. فتسقط (المؤسسة) في نقيض كل تلك الصفات.
رغم أن الناظر لكل النصوص الإسلامية المقدسة (القرآن والسُنة) يبهر بتركيز الإسلام على المسلك (المؤسسي) بل شددت العقوبات الشرعية في الفعل المؤسسي وحضت على التغافل عن الخطأ الفردي.. كمثال قصة الرجل الذي اشتكى لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب عندما ضبط رجل وامرأة متلبسين بـ(الأفعال الفاضحة) فقال له عمر (هلا سترتهما بثوبك).. عبارة قوية تفسر لماذا اشترط الإسلام شهادة عيان لعدد أربعة شهود.. لإثبات وقوع (الفعل المؤسسي).. فالذي يرتكب مثل هذه الجريمة أمام أربعة شهود علناً وعلى رؤوس الأشهاد فهو يتجاوز المسلك الفردي إلى فعل (مؤسسي) يتطلب قمعه بكل حسم وشدة.. لأنه يؤدي إلى (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ،لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة..) سورة النور آية 19.
بل، وهو الأسوأ في تقديري.. إن الحركة الإسلامية جعلت من (الديباجة) أو (البطاقة) حصانة تحجب النظر إلى السلوك المؤسسي.. فالانتماء الممهور بالشكل الظاهري مقدم على أية مفردات ترتبط بالغايات التي حض عليها الإسلام وجعل (المؤسسة) سبيلاً ووسيلة لتحقيقها.. ومن هنا كانت النكبة والنكسة..
ما يطلق عليه (حركات الإسلام السياسي) في حاجة ماسة لمراجعات عميقة.. لأنه هي الآن العقبة الكؤود أمام نشر روح الإسلام الصحيح الأصيل.. فذات (العلمانية) التي تتهم به هذه الحركات غيرها.. تفعله ولكن من باب آخر.. فعبارة (فصل الدين عن الدولة) تتحقق من طريقين متعاكسين في الاتجاه.. الفصل من ناحية الدولة.. أو من الاتجاه المعاكس من ناحية الدين.. كلاهما يؤدي في النهاية إلى نفس النتيجة..