مدرسة الثلاثين يوماً

كلما طرق شهر الصيام أبواب مدينتنا الفاضلة، تداعت أمامي تلك الصور المحتشدة بأدبيات اللطف والتيسير والتذليل، كما عالجتها آيات الصوم “يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون”، بمعنى لجم هواجس النفس في مهدها وهي تنزع إلى استحضار حالات العطش والجوع، فما أن فرغ خطاب التكليف بالصوم حتى جاءت تطمينات قوله تعالى “كما كتب على الذين من قبلكم”، بمعنى آخر إن هذا الطريق سالك ومتراوح وسبق أن ذهبت به أمم من قبلكم ولم تهلك، ثم يسلمنا أدب اللطف الرباني في الخطاب القرآني مباشرة إلى أدب تيسير (أيام معدودات)، الأيام المعدودات هي التى تعد على أصابع اليدين وﻻ تتعدى العشرة.
غير أن رمضان شهر ثلاثين يوما، هكذا يقلله الله في أعينكم وتصوراتكم، كما في سياق قرآني آخر يعالج عملية تهيئة أجواء ما قبل غزوة بدر الكبرى، بتصوير أقلية أعداد المشركين فى نظر المسلمين، ثم تأتي منحة الرخص “فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر”… وتفتأ تتوالى عمليات التطمينات إلى أن تبلغ قمة “يريد الله بكم اليسر وﻻ يريد بكم العسر”، ثم يذهب اللطف الرباني في تذليل عبادة الصيام إلى درجة تكبيل أكبر عدوين مثبطين “النفس والشيطان ، فكبلت شهوات النفس بالعطش والجوع وصفدت مردة الشياطين فانطلق المؤمن حرا خفيفا، ثم تكون في رمضان حركة اتجاه السير باتجاه واحد، اتجاه الصوم بحيث تصوم أسواق المأكولات والمشروبات والطرقات بالأدب والاحتشام، لدرجة أن المفطرين لعذر ﻻ يجدون بسهولة ما يفطرون به على قارعة الأسواق.
* يتدرج الصائم في مدرسة الثلاثين على مدى ثلاثة مستويات، المستوى الأول الرحمة ثم المغفرة وحتى إذا ما جاء إلى مستوى العتق من النار، شد مئزره وأيقظ أهله وأحيا ليله لعله يتخرج بشهادة ودرجة “لعلكم تتقون” وهي الغاية المستهدفة من شهر الصيام لقوله تعالى “يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون”، التخرج نفسه يكون على ثلاثة مستويات، ممتاز (درجة صيام خواص الخواص) التي يصوم فيها القلب والجوارح، وجيد جدا (صيام الخواص) حيث تصوم الجوارح، ودرجة (صيام العامة)، بالصيام عن المفطرات وإطلاق الجوارح .. وليس لله حاجة في أن يدع أحدكم طعامه وشرابه.. وفيه ليلة من حرم أجرها فقد حرم !!
* وثمة آمال كبار، فوق درجة الانتصار والنجاة الشخصية، ونحن نتطلع إلي نجاة أمة التوحيد بأكملها وفك أسرها من ضيق الفتن والاقتتال الداخلي، إلى سعة القضايا الأممية وعلى رأسها قضية تحرير الأقصى المبارك من قبضة اليهود المغتصبين، فلا غرو فهذا شهر فتح مكة وبدر الكبرى.
* نبارك لكم “الشهر الكريم” ونتمنى لأمة الرسالة عامة، التوفيق والنجاح والقبول والانتصار والتمكين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

Exit mobile version