لا أدري من أين جاء هؤلاء ببدعة ارتكاب المعصية والذنوب قبل يوم من دخول الشهر المبارك (خم الرماد)؟ لا أدري من زين لهم ارتكاب المعصية وقال فلتفعلوا ما شئتم في تلك الليلة “خموا الرماد” بالحلال والحرام، تباروا في ارتكاب المعصية في تلك الليلة قبل أن يصبح الصباح؟! هناك تقاليد مستوردة، لكن من أتى بها؟ ولماذا أصبح أولئك قبل يوم أو قبل ساعات من الصيام يرتكبون المعصية؟؟
شهر رمضان شهر مبارك، والمولى عزّ وجلّ فضله عن بقية الشهور، وقال: (رمضان لي وأنا أجزي به) بمعنى أن أحد عشر شهراً من العام لكم، أما هذا الشهر فهو لي فمن تعبد فيه خالصاً فأنا أجزيه على ما قام به من الحفاظ على نفسه طوال ليله ونهاره، لا يخاصم أحداً ولا يسب أحداً، ويصوم نهاره ويقوم ليله، ويقرأ القرآن جزءاً أو أكثر.
إن الذين تعودوا على العبادة والصيام لن يتجرأوا على ارتكاب المعصية قبل أو بعد، فرمضان شهر مبارك له طعم ومذاق خاص في السودان رغم ارتفاع درجة الحرارة فيه والمشقة التي يجدها الصائم، لكن أهلنا في السودان اعتادوا الظروف التي يأتي فيها، في الصيف أو الشتاء أو الخريف ويقولون “رمضان يأتي بخيره”، وفعلاً ما أن يهل تجد الخيرات تنهال على الناس من حيث لا يحتسبون.. أما لياليه فلها أيضاً مذاق وطعم يختلف عن العالم، فكل المساجد تكتظ بالرجال والنساء والشباب، حتى الأطفال تجدهم يرتادون المساجد في صلاة العشاء والتراويح.
في شهر رمضان تكثر الزيارات والإفطارات، وهذه ميزة غير متوفرة إلا في السودان خاصة الإفطار في الميادين العامة وأمام المساكن كل يقدم ما عنده من طعام دون حرج، وهذه واحدة من المظاهر التي تميز أهل السودان، فإن لم تعرف جارك معرفة حقيقية ففي صينية الإفطار يتعرف الناس على بعضهم البعض معرفة حقيقية، رغم أن الإفطار خارج المنازل قد قل، لكن ما زال هناك من يحافظ على هذه القيمة ويتمسك بها ولو بمفرده. أما في القرى فهي من الظواهر التي تميزهم، بل كثير من سكان ولايات السودان المختلفة خاصة الذين يسكنون على الطرق الرئيسية للمواصلات يصرون على أصحاب المركبات العابرة إذا حان وقت الإفطار أن ينزلوا ويفطروا، وهذه لا توجد في أية دولة من دول العالم، أن تصر مجموعة صغيرة على إفطار مركبة كاملة بل مركبات متعددة.. فإذا كان رمضان يأتي بخيره فأهل السودان يجسدون أسمى معانيه في التكافل والتراحم.. فمرحباً به شهراً كريماً أوله رحمة، وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار.. ومبارك علينا وعليكم جميعاً.