يعد الشعب السوداني من أكثر شعوب العالم مللاً في كل شيء ليس نظام الحكم المتطاول ولكن حتى الطعام، فإذا داوم المواطن على أكل الفراخ لفترة طويلة كرهها، وإذا أكثر من تناول الفول أو الفاصوليا أو الطعمية أو البيرقر، وحتى الفواكه إذا أكثر من تناول التفاح أو البرتقال أو البطيخ أو الموز تجده قد مله.. فهذه حياته .فهو شعب يحب التغيير، فحينما ظل نظام الرئيس الأسبق “جعفر نميري” لستة عشر عاماً ضاق به ذرعاً وطالب بتغييره، فخرجت الجماهير تهتف وترقص طرباً لتغييره، بل أبدعوا في نظم الشعر والكلمات ضده. وحينما جاء نظام الإنقاذ وأحس المواطن بتطاول فترة الحكم حنوا إلى النظام المايوي وعندما عاد “النميري” من مقر إقامته بالقاهرة خرجت الجماهير زرافات ووحدانا صوب مطار الخرطوم لاستقباله، فاستقبل استقبال الفاتحين وكأنما الذي عاد ليس هو الرئيس الذي هتفت الجماهير برأسه.. والآن يتبادل المواطنون الأناشيد الوطنية التي نظمت في عهده. وها نحن دائماً نحن إلى الماضي حتى إذا كان الماضي سيئاً نستدعيه ونبكي عليه. وقد بكى المواطنون أيضاً عندما تنحى الرئيس الأسبق “عبود” حينما ضغطت عليه الجماهير مطالبة برحيله.. ولكن لم تمض فترة على رحيله فإذا الذين طالبوا برحيله يهتفون بعودته عندما دخل السوق، فالتفت الجماهير حوله هاتفة ضيعناك وضعنا وراك.
هذا هو الشعب السوداني لا يصبر على شيء، فتعجبت عندما أعلن الرئيس “عمر البشير” الحكومة الجديدة فأقال الوزراء والولاة، فكانت فرحة جماهير مدينة الفاشر واضحة عندما أعلن الرئيس عن إقالة الوالي “كبر” واستبداله بوالٍ آخر. خرجت جماهير الفاشر ونحرت الذبائح برحيل “كبر” رغم أن “كبر” قد ظل والياً لولاية شمال دارفور لثلاثة عشر عاماً، كانت الولاية قد واجهت التمرد طوال تلك الفترة، واستطاع أن يدحره وكانت الجماهير تقف إلى جانبه، ولكن طبيعة البشر فمهما فعل “كبر”.. فالمواطن مله وأراد والياً آخر.. وكذا الحال لوالي سنار “أحمد عباس” وهو لم يقل عن الوالي “كبر” في الفترة التي قضاها والياً لسنار، فقد تجاوزت الاثني عشر عاماً، فالمواطنون ملت فترة حكمه وطالبت بتغييره وربما يكون وجد نفس مصير “كبر” في نحر الذبائح عند تغييره. رغم ملل المواطن السوداني ولكن دائماً الملل يكون سببه عدم إحداث أي نوع من التغيير، فالمواطن الذي يشعر أن الوالي أو الوزير ظل في كرسي الحكم لفترة أطول ولم يجن هذا المواطن ثمار تلك الفترة، بالتأكيد سيشعر بالضجر والملل وسيواصل مساعيه لعملية التغيير. لذا يجب ألا تطول فترة أي مسؤول في كرسي الحكم أكثر من خمس سنوات فهي سنوات كافية، فإن استطاع أن ينجز فيها يكون الإنجاز في صحائف حسناته وإنجازاته، وإن فشل يكون الفشل في صحائف فشله فالأول يكون محل تقدير واحترام الجماهير والثاني مكان سخط الجماهير.