شواهد كثيرة تؤكد عمق أزمة القوى والمجموعات المعارضة الموجودة خارج السودان وخاصة أولئك الذين قضوا سنوات طويلة في مهاجر العالم المختلفة والذين فقد الكثير منهم القدرة على الالتزام بتقديم موقف سياسي معارض بموضوعية.. لقد اختلطت الأمور عند الكثيرين وأصبحوا يقدمون خطاباً سياسياً يكاد يدين السواد الأعظم من المواطنين الموجودين داخل السودان، والذين هم بنظرهم إما منتمون للمؤتمر الوطني أو متعاطفون مع المؤتمر الوطني والنظام الحاكم أو أنهم مرتبطون بمصلحة ما مع النظام الحاكم وفي كل هذه الحالات فهم بنظرهم مدانون إدانة كاملة بكل خطأ يقع في السودان وكل جريمة تحدث في البلاد حتى ولو كانت جريمة جنائية.
حقاً.. بعض هؤلاء لا تستطيع مواصلة أي نوع من النقاش حول أمور السياسة معه لأكثر من خمس دقائق يفقد بعدها أو قبلها المنطق بشكل كلي لتنتظر أقرب (شولة) أو فاصلة في حديثه حتى تقوم بتغيير موضوع النقاش معه إلى أي موضوع آخر بعيداً عن هموم السودان وقضاياه.
حالة الغبن النفسي التي تسيطر على سلوك الكثير من الذين يتبنون مواقف معارضة في المهاجر تجعلهم يجهرون أحياناً بآراء مزمنة الحدة تعتبر الموجود في الداخل مدان والموجود في الخارج بريء من الإدانة بظلم الناس، بسرقة البلد، بقتل الأبرياء أو بإبادتهم، بإشعال الحروب وبكل ما تتخيله ضمن قائمة الجرائم في حق الإنسانية.
وهذا هو الذي تواجه به ذلك الوفد الشعبي المكون من قيادات أهلية وأعيان عشائر وعمد وزعماء قبائل كانوا قد قاموا بزيارة للولايات المتحدة مؤخراً بهدف حث الإدارة الأمريكية على رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان منذ نوفمبر 1997 ليجد هؤلاء أنفسهم فجأة بين فكي تظاهرة متوحشة كانت قد انتظمت لغرض آخر لكن حين وجد المشاركون فيها هذه الفرصة أمامهم ووجدوا وفد القيادات الشعبية حاضراً في نفس التوقيت لم يتورعوا في التهجم عليهم ورميهم بأفظع الاتهامات الجنائية.. والسباب والشتائم والتعدي اللفظي، ويحدث كل هذا خلف لافتة حرية التعبير داخل دولة تصف نفسها بأنها أعظم دولة في العالم.. مقطع الفيديو الذي تداولته وسائط التواصل الاجتماعي يسيء للكيانات المعارضة أشد الإساءة ولشعاراتها قبل أن يسيء للحكومة أو لتلك المجموعة من المتظاهرين الذين مارسوا وحسب مشاهدتنا للفيديو نوعاً من أنواع الإرهاب اللفظي والهرجلة والغوغائية في انتهاك صريح لقوانين ومبادئ الحرية نفسها، ظناً منهم بأن هذه هي الديمقراطية.
ما ذنب هؤلاء وما جريمتهم.. أم أنكم بخيالكم المريض يتهيأ لكم أن كل جلباب قادم من السودان هو ممثل للسلطة؟ هؤلاء وحتى لو افترضنا أن مبادرتهم كانت بإيعاز أو مباركة من الحكومة لكنهم يمثلون مجموعة من القيادات الشعبية في المجتمع.. كبار في السن يريدون أن يعبروا عن الضرر الذي أصاب الشعب السوداني بسبب العقوبات، لكن لو كانت هذه المشاهد المؤسفة التي نشاهدها هي مناظر من فيلم العهد الجديد الذي يناضل هؤلاء لتأسيسه فإنه بالتأكيد عهد وبال وحقد اجتماعي وإقصاء وتصفيات وفظائع (الله لا جابو).