محاكم خاصة جداً..

في يوم الخميس السابع والعشرين من مايو من العام ٢٠١٠ أدى المشير البشير القسم رئيسا للجمهورية لدورة رئاسية مدتها خمس سنوات تبدأ من تاريخ أداء اليمين الدستورية.. عند منتصف ليلة الثلاثاء الموافق لليوم السادس والعشرين من شهر من مايو ٢٠١٥ انتهت الدورة الرئاسية وذلك حسب المادة (٥٧) من الدستور الانتقالي للعام ٢٠٠٥.. واعتمادا على ذات الدستور من المفترض أن يؤدي الرئيس المنتخب القسم في يوم الأربعاء ٢٧ مايو ٢٠١٥ حتى لا يحدث فراغ دستوري.. إلا أن ذلك لم يحدث إلا في الثاني من يونيو الماضي.. بمعنى أي قرار اتخذه الرئيس خلال فترة الستة أيام قابل للطعن الدستوري.
أمس الأول حملت صحيفة (التيار) خبرا يفيد أن عثمان سمساعة محافظ مشروع الجزيرة أخبر المزارعين في المعيلق أنه جاءهم بشيرا ونذيرا.. وذكّر عثمان سمساعة الحضور أن عليهم أن يلتزموا بتوجيهات رئيس الجمهورية التي تحدد زراعة محصول واحد في كل حواشة.. ثم انتقل إلى مربع الأجهزة العدلية مؤكدا تشكيل نيابة ومحكمة خاصة في مشروع الجزيرة.
السيد سمساعة ربما لم يطلع على الدستور أيضاً.. ذات الدستور جعل السلطة القضائية مستقلة تماماً عمّا عداها من سلطات.. خبر إنشاء محكمة خاصة من أعمال السلطة القضائية.. وأهل القضائية يسمونها محكمة متخصصة لا محكمة خاصة كما أفاد المحافظ سمساعة.. ولأن سمساعة من غير أهل الاختصاص يتحدث باللغة التي تروقه.
في تقديري زادت في الآونة الأخيرة المحاكم الخاصة أو المتخصصة.. الآن وزارة الاستثمار لها محكمة متخصصة ملحقة بمكاتبها.. وهنالك اتجاه لإنشاء محكمة للصحافة، وبعد مشروع الجزيرة ربما تفكر وزارة الكهرباء أو مصلحة الضرائب في إنشاء محاكم خاصة بهم.
المبدأ الأصيل في القانون يتحدث عن وحدة القضاء.. بمعني أي قضاء موازٍ ينتقص من العدالة.. يفهم من وحدة القضاء أن يتمتع جميع المواطنين بذات الخدمة المقدمة.. بمعنى إذا تخاصم مواطنان ضد مؤسستين مختلفتين فإن تعجيل العدالة في مكان وإبطاءها في مكان آخر يخل بمبدأ تساوي الناس أمام القانون.. المحاكم المتخصصة تلقى معاملة خاصة من الجهات المستفيدة من الخدمة من توفير المكان إلى حق الجيرة والإلفة.
حتى يتضح ذلك سأقدم مثالا واقعيا.. قبل فترة زار مسؤول في وزارة الاستثمار محكمة الاستثمار بصحبة مستثمر عربي.. المسؤول كان يشرح للمستثمر جهودهم في توفير بيئة صالحة للاستثمار وخالية من المنازعات.. حتى يعضد المسؤول كلامه وجه سؤالا إلى القاضي عن فترة التقاضي في هذه المحكمة.. من حسن الحظ أن القاضي كان نبيها ولبقا فتحفظ في تقديم الإجابة.. أغلب الظن ما كان للمسؤول الرفيع أن يتجرأ ويوجه ذاك السؤال إن لم تكن المحكمة المتخصصة في حرم وزارته فظنها بعضاً من إداراته.
بصراحة.. لن تتقدم بلادنا قيد أنملة إن لم تسود بيننا دولة القانون.. إن لم يحترم الصغير والكبير الدستور فسنحرث في البحر.

Exit mobile version