سبّ ولكنه يطرب (1)

الإحساس بضآلة إسهامنا الثقافي هو الذي يدفعنا إلى إقامة سرادقات العزاء، لأن الغرب الفاجر الداعر الكافر الاستكباري الاستخباري يريد غزونا ثقافياً، ولا أفهم لم نستنكر أن يغزونا الغرب ثقافياً وحضارياً، طالما أننا نعتمد عليه في كل شيء، فهو الذي يعطينا السلاح ويعلمنا بل يأمرنا كيف ومتى نستخدمه، وهو الذي قدم لنا الفياغرا لتحسين أدائنا خلال معاركنا الصيفية في ساحات الوغى الأوروبية والاسيوية، واحتاط للأمر بأن قدم لنا حبوب منع الحمل، ولولا الغرب لما كانت هناك إسرائيل التي أعطت الذريعة لحكامنا للتسلط علينا بزعم أننا نلهيهم عن التصدي لها (لأن الفاضي يعمل قاضي فقد تحرك بعض النشامى قبل بضعة أعوام مطالبين بمقاطعة مطاعم بيرغر كنغ لأن لها فرعا في مستوطنة إسرائيلية.. سبحان الله فلإسرائيل نفسها فروع في اكثر من مستوطنة ولا نجسر على الدعوة لمقاطعتها، ولماذا لا نقاطع سي ان ان لأن بثها يلتقط في المستوطنات؟ ونقاطع السلطة الوطنية الفلسطينية لأنها معنية بأمر أمن المستوطنات اكثر من اعتنائها بأمن المواطن الفلسطيني؟ ويطيب لي ان أعلن عبر هذا المنبر انني سأقاوم أي تحرك لمقاطعة بيرغركنغ، كما قاومت محاولات مقاطعة ديزني لأن تلك المطاعم هي المصدر الأساسي الذي يستقي منه عيالي حصتهم من الكوليسترول.
إعلان
قاتل الله السياسة وحاملها وشاربها، فهي تحشر نفسها في شؤوني حتى بعد ان هربت منها واحتميت بزاويتي المعتمة الغائمة التي تتعذر فيها الرؤية. أعود على بدء فأقول ان الخواجات يقدمون لنا كل شيء وسبقونا في القرون الأخيرة في كل شيء، حتى في مجال السباب والشتائم تفوقوا علينا، فسبابنا يقتصر على العورات و«أبوك وأمك»، و«ثور وحمار وبغل وبقرة»، وحتى حكوماتنا تعاني من الركاكة الشتائمية فتصم – مثلا – معرضيها بالعمالة لأمريكا، فترد المعارضة باتهام الحكومة بالعمالة لبوركينا فاسو، ولديّ مجلدات لأفانين الشتم الغربي، كما سبق لي إعداد برنامج تلفزيوني عن الغرافيتي الذي هو أدب الجدران، أي ما يكتب على وجه الخصوص في دورات المياه، في لندن، واضطررت في سبيل ذلك إلى دخول حمامات عامة حاملا كاميرا فيديو، مما اثار الشكوك حولي، وخاصة ان لون بشرتي يرشحني لعضوية بوكو حرام، وقد اكتشفت في تلك الحمامات قمما في البلاغة والحكمة، ومن يومها وأنا أقتني المطبوعات المتعلقة بالغرافيتي، وقد أسهمت الروائح الصادرة عن تلك المطبوعات في إبعاد لصوص الكتب عن مكتبتي البائسة.
المهم: غايتي اليوم هي إعطاء القارئ دروس تقوية في السباب البليغ بإيراد نماذج لشتائم صادرة عن غربيين أفذاذ بحق ساسة أو مشاهير من بني جلدتهم، وأملي عظيم في أن القارئ سيجد فيها ما يعينه على فش غلّه إذا قام بتلبيس هذه الشتيمة أو تلك للشخص «الذي في باله»، وخاصة أولئك الزعماء الذين نذروا وقتهم وجهدهم للإطلال علينا عبر شاشات التلفزيون ليحدثونا عن كل شيء، ولا شيء آناء الليل وأطراف النهار، وكأنهم يدركون أننا لن نحس بوجودهم ما لم يفعلوا ذلك: وأبدأ بما قاله أحدهم عن حبيبي الرئيس الروسي البائس السابق بوريس يلتسن: يبدو وكأن أمه فطمته على مخلل (كان وجه يلتسين يعطي الانطباع على الدوام أنه على وشك الاستفراغ).
عندما أصبح هنري ترودو رئيساً للوزراء في كندا، قال نائب برلماني كندي: أخيرا أصبح لكندا زعيم يستحق الاغتيال؟ وهناك ما قاله أحد الديمقراطيين عن الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش: لو بلغ سعر برميل الجهالة 40 دولارا لاشتريت حقوق التنقيب في رأسه! ورونالد ريغان الذي سبق بوش في البيت الأبيض كان جاهلا عصاميا صنع نفسه بنفسه، ولهذا فانه لم يكن يستطيع إلقاء تبعة جهالته على أحد، وكان يكره ليبيا لله في الله، فأصدر أوامره اكثر من مرة بقصف بوليفيا بالطائرات للتخلص من معمر القذافي، وفي كل مرة كان الطيارون يستدركون وهم في الأجواء البوليفية فيقفلون راجعين ويرمون حمولة طائراتهم على نيكاراغوا!

jafabbas19@gmail.com

Exit mobile version