تعتبر مأساة المسلمين الروهينغا وما تخللها من تطهير عرقي من أكبر فصول الإبادة الجماعية في الألفية الحالية والتشريع الضمني الدولي لها، حيث تم حرمان شعب بأكمله من حق الحياة والعيش في أرضه.
والمفارقة تتمثل في الموقف السلبي لثلاث من أكبر الدولة الإسلامية (ماليزيا وإندونيسيا وبنغلاديش) وهي دول قريبة من المسلمين الروهينغا سكان إقليم أراكان الأصلي الذي ضمته ميانمار (بورما) إليها بالعنف ورفضت الاعتراف بسكانه.
وبعد سنوات من هذه المأساة طفح المحيط الهندي بآلاف الضحايا الفارين من هذا الموت المحقق إلى موت محتمل. وإثر سلسلة من غرق هذه القوارب التي تتاجر بها مافيا الموت وعصابات التهريب الحيواني، ويقفز مندوبهم بقارب نجاة عند أول حالة غرق لأولئك المساكين، وبعد وفاة الآلاف، تدخلت الحكومة التركية وأعلن رئيس وزرائها أحمد داود أوغلو تكليف البحرية التركية بمتابعة هذه القوارب وإنقاذ الغرقى، والترتيب مع الدول الثلاث لوضع خطة لإقامة مخيمات لجوء مؤقت، تتكفل أنقرة بمتابعتها ودعمها.
ومن المفاجئ جدا في بلد مثل ماليزيا، لديها قوة اقتصادية وتقدم مدني، أن تُمارس كل هذه الممانعة عن اللاجئين الروهينغا، بدلا من أخذ المبادرة لتنفيذ مشروع عالمي إنساني.
في كل الأحوال المبادرة التركية مهمة جدا، وجاءت في توقيت دقيق، وأمام العالم الإسلامي فرصة وخاصة دول الخليج العربي للمشاركة في دعم هذا المشروع، الذي حين تتكفل دولة كتركيا بإدارته ففرص نجاحه كبيرة جدا، ويتم توجيه المساهمات لتحقيق هذا المخرج الإنقاذي بصورة مركزية في جانب الغوث الإنساني العاجل للفارين من مذابح المليشيات الميانمارية بشراكة وتواطؤ حكومتها.
لا حاجة لنا للتذكير بسلسة من الأمثال للمعايير المزدوجة التي تمارسها الأمم المتحدة ودول العالم الغربي على القضايا الإنسانية للمسلمين، مقارنة بغيرهم، لكن المشكلة أن غالبية المؤسسة الرسمية في العالم الإسلامي باتت تستخدم نفس المفاهيم مقابل بعض الإغاثات البسيطة للتخلص من المسؤولية التي أوجبتها الرابطة الإسلامية والإنسانية لإغاثة الملهوف.
وهذا غير صحيح، فقدرات عدد من الدول الإسلامية وليس كلها كاف لوضع برنامج عمل ضاغط، في عدة مسارات سياسية وإغاثية، وممارسة ضغط إقليمي ودولي على حكومة ميانمار، لإجبارها على الاعتراف بهؤلاء المسلمين الروهينغا وحقوقهم، ولو اقتضى ذلك سنوات من العمل الدبلوماسي الجاد بين الضغط والتفاوض، كدول مستقلة يتحد بعضها في ترويكا، وهنا العالم الإسلامي الواسع وليس العربي فحسب شريك في المسؤولية والمهمة.
ولقد كانت عودة منظمة التعاون الإسلامي إلى بياتها القديم، الذي أخرجها منها إكمال الدين أوغلو، ونجح بالفعل في ذلك وغيّر بعض حراك المنظمة (ولو بقي في ذلك الإطار لكان خيرا له من مصارعة حزب العدالة والتنمية داخليا الذي رشحه أصلا لهذه المهمة)، وقضية المسلمين الروهينغا بدأت في عهد إكمال أوغلو نفسه، لكن فرص تحريك المنظمة لعمل مركزي كانت أكبر في وجوده، كما هو واضح الآن بعد انصرافه.
ولذلك لم يعد بالإمكان الرهان على شيء من المساهمة في دور المنظمة، وبقيت مسؤولية شراكة العالم الإسلامي الذي يكفي فيه، ماليزيا وتركيا والسعودية وقطر، لتشكيل محور إنساني وسياسي دبلوماسي، وهو محور لا يحتاج لجهد مكلف ولا لأي تشكيلات عسكرية، وينفذ برنامجه مستثمرا علاقاته مع الغرب، لوضع حل لأزمة مسلمي الروهينغا، وطرح قضيتهم عبر تفعيل إعلامي منهجي، يهدف لزيادة الوعي العالمي وتحقيق برنامج غوث مركزي لهم.
إن الإشكالية اليوم ليست في عدم قدرة الدول الإسلامية، بل لا يزال لديها مساحة، ومع تراجع الدور الأميركي أصبح للحراك الإقليمي دور كبير، وللهند اليوم دور بارز في هذا المسار، وليس المقصود ملاعنتها وشن حرب إعلامية معها لتواطؤها الواضح، وإنما المطلوب التعامل معها باحترام قوتها الإقليمية ولعب بطاقات المصالح السياسية والاقتصادية، لرفع دعمها عن حكومة ميانمار في ملف الروهينغا.
ولعل ما كنا نأمله هو تحول هذه التشكيلات الاقتصادية الناجحة التي تضم دولا إسلامية وآسيوية إلى كتلة من مهامها أن تعين المسلمين المضطهدين، وليس مشروعا اقتصاديا أو بنكا رأسماليا فقط، وليس المقصود أن يكون التكتل جمعية اقتصادية، لكن هناك مسؤولية على النمور الإسلامية الآسيوية للقيام بدور فاعل من أجل قضية إخوانهم في بورما.
وفي وقت تتقدم فيه بعض صور الحياة المدنية ومنظمات المجتمع المدني في الدول الإسلامية، فإن نموذج البرنامج الإغاثي النوعي الذي تنفذه منظمات أوروبا مصحوبا بضغط سياسي وتواصل مدني إعلامي واسع، لا يزال بعيدا عن الساحة الإسلامية، وهو ما يحتاج إلى القفز به في منظمات الغوث الإسلامي وخاصة المتميزة منها كمنظمة آها آها التركية، وإعلان الروابط التضامنية في الجمعيات قائم، لكن فكرة تطوير أدائها خاصة العربية لا يزال متأخرا جدا.
وهنا تبرز الضرورة إلى وضع تصور شامل لمشروع شراكة بين دول محورية للأزمة ومنظمات مساندة لإنقاذ مسلمي الروهينغا من الواقع المر، تحقق جغرافية لجوء فورية ضرورية، مع ضغط منهجي شرس على حكومتها لعودتهم بحقوقهم السياسية الكاملة، ولا يزال السؤال موجها لماليزيا التي ينتظر منها دور محوري مساند يدعّم بالمال الخليجي، كما أن الدعوة لعقد مؤتمرات عالمية تُطرح فيها هذه القضية وحقائقها المروعة تساهم في إحراج النظام العالمي المتآمر ضمنيا على هذه القضايا، رغم أن إمكانية تحقيق مثل هذه الأمور قائم.
إن ملاعنة الغرب باتت ثقافة استهلاكية أحيانا تمارسها الأنظمة الرسمية في العالم الإسلامي للاعتذار والتخلص من أي جهد يمكن أن تقوم به، وهذه حالة مَرَضية، إن هذا العدد الضخم من الدول لا بد أن تُنشر فيه ثقافة المحاولة والمساعدة والانطلاق بالجهد الذاتي، لا تحويل ذلك التواطؤ العالمي إلى مشجب تُعزز فيه محاصرة كل حالة قمعية تسحق المسلمين، فيُشبع المجرم شتما ويذهب ببلاد المسلمين وأرواحهم.
الجزيرة