ليس أمام الحكومة الجديدة التي يفترض أن تؤدي القسم في غضون الساعات القادمة من خيار سوى المضي بخطى حثيثة وعزيمة صادقة ورغبة جامحة نحو تحقيق السلام في السودان من خلال التفاوض مع حاملي السلاح، بعد أن أهدرت الحرب موارد البلاد الشحيحة ومزقت أحشائه الاجتماعية وهددت مستقبله كوطن واحد بعد أن ذهب ثلثه بسوء التقدير والعناد والتمسك الأرعن بالحلول العسكرية لكل الحكومات المتعاقبة على السودان، منذ 1956م وحتى الإنقاذ التي حملت وزر انفصال الجنوب على ظهرها بل اعتبره البعض إنجازاً يستحق الاحتفاء في ليالي السودان شديدة الظلام؟؟
{ لماذا الرهان على السلام والتمسك به وهناك من يعتقد بأن الانتصارات التي حققتها القوات المسلحة بكل فصائلها وروافدها على حركة العدل والمساواة والجبهة الثورية، بمثابة النهاية لتلك المليشيات التي تحمل السلاح؟؟ بالطبع لا فالحرب غير النظامية التي تعرف بحرب (العصابات) يصعب القضاء عليها من خلال معركة واحدة أو معارك.. وفي تجربة حرب جنوب السودان الطويلة كانت هناك محطات بلغت فيها الحركة الشعبية من الضعف والوهن ما بلغت ولكنها نهضت مرة أخرى، ووجدت من يدعمها بالسلاح وحتى الرجال.. وإذا كان هناك إنسان واحد يعتقد أن له قضية تدفعه لحمل السلاح في وجه وطنه فالأحرى الدخول معه في تفاوض وإقناعه بالمنطق بدلاً من استخدام القوة.. وتجربة سلام نيفاشا 2005م التي تحققت برغبة وعزيمة القيادة السياسية العليا في الدولة، أثبت قدرة الدولة على كبح جماح الدم والنهوض بالبلاد اقتصادياً وسياسياً.. وقد ازدهر الاقتصاد السوداني بعد 2005م رغم الإنفاق على استحقاقات السلام ونفذت مشروعات تنموية كبيرة وخفت حدة الضغوط الخارجية وأخذ بعض السودانيين في المنافي يعودون لوطنهم.. وازدهر سعر الجنيه مقابل كل العملات الأجنبية ولكن فجأة اندلعت الحرب مرة أخرى وانقسم السودان لبلدين.
{ والآن جرت الانتخابات في مناخ صراعي بين المعارضة المتحالفة مع حاملي السلاح وقطاع عريض من القوى السياسية التي تؤمن بالتحول الديمقراطي من خلال المشاركة في الانتخابات، وفاز “البشير” على منافسيه ممن خاضوا الانتخابات وأصبح رئيساً لكل السودانيين من الذين يحملون السلاح ويناهضون حكومته والداعمين لسلطته، فالبشير اليوم رئيس للصادق المهدي.. ومني أركو مناوي وجبريل وللميرغني وعلي عثمان محمد طه وتابيتا بطرس وفيلوثاوس فرج.. ولمحجوب محمد صالح ومحبوب فضل ولحليمة حسب الله وتراجي مصطفى.. ورئيساً لإمام المسجد ولبائعة المريسة.. وللعاكفين في المساجد والمتربصين بالأبرياء في الغابات .. ولكل من هؤلاء قضية ومطمع وأجندة خاصة يعمل من أجلها.. ويمثل السلام القاسم المشترك بين كل السودانيين باستثناء نخبة محدودة مستفيدة من استمرار الحرب ممن يعرفون بتجار الحرب هنا وهناك في التمرد.
إذا لم تتوقف الحرب لن ينهض الاقتصاد من عثرته.. وإذا لم تتوقف الحرب لن تنعم بلادنا بحرية صحافة وإعلام.
وإذا لم تتوقف الحرب لن تحدث أية اختراقات حقيقية في علاقة السودان بالدول الغربية والأوروبية سواء جاء “غندور” وزيراً للخارجية أو عاد “مصطفى عثمان”. وقد تحسنت علاقات السودان بالدول العربية في الفترة الأخيرة واعتقد الجميع أن السودان قد عبر ولكن الغرب يملك من القدرات ما يملك، لإجهاض تنامي العلاقات السودانية مع دول الخليج التي لها مصالحها الاقتصادية والأمنية والعسكرية مع الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، ولا حل إلا بالسلام ودفن حقبة الاحتراب وتجفيف دموع الباكيات في هجعة الليل كموقف أخلاقي للحكومة الجديدة.