الأسود يليق.. بغيابك

الأسود ليس مجرد لون.. إنه حالة من الاكتئاب المقيم تخيم على وجداني حالما لفك الغياب بأستاره.. أو قل إنه حجاب كثيف يسدله الأسى على المشهد العام لحياتي، فلا أعود أرى من خلاله وأكتفي بالانغلاق على روحي في انتظار نور إيابك السافر!
وكلما عمدت للرحيل بعيداً، أطلقت خلفك العنان لظنوني وهواجسي.. واستسلمت طوعاً لسطوة أشجاني ووحدتي.. وأقلعت عمداً عن ممارسة طقوسنا اليومية الحميمة التي ارتبطت في خاطري بوجودك النبيل!
كيف لي أن أحتسي قهوتي الصباحية دون جنزبيل ضحكتك العميقة التي تجلجل بالابتهاج؟! وكيف لي أن أتصفح الصحف اليومية دون أن تزاحمني على الأنباء وتحلل لي الأحداث وتبادلني وجهات النظر؟!
وكيف لي أن أختار ثيابي للخروج دون الاستعانة برأيك وذوقك الجميل؟! وكيف أستشعر وجودي ككائن حي وفعال دون أن أعتني بتفاصيلك، وأهيئ أشياءك، وأرتب برنامجك، وأصلح ياقتك، وألمع حذاءك؟!
إنني بدونك يا سيدي امرأة عاطلة عن العمل.. مرفوعة عن خدمة وجودها لحين عودتك.. تتمرغ في رتابة أيامها وتتسكع في زوايا المنزل الساكن بهوائه الثقيل وجدرانه الكالحة!! فهل تعلم أن غيابك فرصة لاكتشاف كل مظاهر القبح في حياتي؟! تلك التي لا يسمح لي وجودك بالالتفات لها أو رؤيتها!! وقد يدفعني الفراغ لمحاولة الاجتهاد في إصلاحها وصيانتها لا لشيء إلا تجنباً لوقوع عينك عليها يوماً.. فلا أريد لعينيك أن تلتقطا قبحاً ما في محيطنا على صعيدي المباني والمعاني!
ثم إنني أحاول أحياناً أن أوظف غيابك لصالح حياتي الاجتماعية والعملية.. أفكر في القيام ببعض الواجبات الإنسانية التي تساقطت يوماً أمام انشغالي بحضورك الطاغي.. أو أن أمارس بعض النشاطات وأشارك في البرامج التي تعيدني لمسرح الفعاليات الثقافية.. ولكني أعترف بأنني أظل ذاهلة عن كل ما حولي.. أعاني من الخمول والكسل.. وأكتفي فقط بانتظارك!
فيا أيها الغائب الحاضر.. تفتقر ألواني لزهوها دونك.. وتفتقر أجوائي لعطرك المنعش وأنفاسك الدافئة.. وتفتقر حياتي لمضامينها الحيوية.. وتفتقر أيامي لدوافعها الإيجابية.. وأفتقر لذاتي!
إن الأسود يليق بغيابك.. بمنظاري الداخلي لتفاصيل الحياة.. بالعنوان الرئيسي لصحيفة أنبائي.. بالثوب المفضل الذي أختاره.. وبالحبر الداكن الذي أكتب لك به رسائل الولع والأشواق!
الأسود يليق بغيابك.. مثلما يليق الأخضر بإيابك.. فلا تتأخر على تلك البيادر الظامئة حتى لا يجف زهرها البري.
تلويح:
ما بين الغياب والإياب.. فرصة لاحتدام الشوق.. وانتخاب جديد للوئام.

Exit mobile version