و”سين” مواطن سوداني كان يعمل معلما في إحدى المدارس الثانوية في مدينة أم درمان، متزوج وأب لثلاثة أولاد وراع رسمي لوالدته وأختين تدرسان في الجامعة، ومسؤول جزئيا عن أخوين أحدهما تخرج في الجامعة والآخر ما يزال طالبا؛ والاثنان كانا يساعدانه ويخففان عنه إلى حد ما في الإجازات.. المهم، ومع الضيق المعيشي في السنوات الأخيرة أصبح المواطن “سين” يعاني مما وصفته زوجته بـ (متلازمة الكوابيس السينية) وهي تحاول تفهُّم التغيرات التي طرأت على زوجها وحبيبها، ففي ذات ليلة قبل سنوات، استيقظت الزوجة فجأة على صوت “سين” وهو يهلوس: “البحر، قريبا من الكعبة، برج الرياض، ريال ريالين يبنوا عمارة…”، ثم لاحظت أنه يبتسم في حبور، قبل أن يكفهر وجهه وينقلب إلى النقيض ويخرج صوته ضعيفا ومتهالكا: “لا، الضغط، الوالدة، مصروف البنيات، يحلها الشربكا، عملية اللوز.. اللبن دا، لا، يا وحش يا سرطان.. لا لا”.. صراخ مرعب وعرق ينز.. واستمرت تلك الكوابيس بتنويعات إماراتية وأمريكية للهجرة، وعن ضغوطات حياتية مختلفة إلى أن صارت واقعاً، هاجر وسافر الأستاذ “سين”.
في بلاد البحر والكعبة المشرفة، وريال ريالين بتعمل عمارة، استقر المواطن “سين” وبعد عام أو يزيد قليلا أحضر زوجته وأولاده، التي أكثر ما أسعدها أن زوجها تخلص على ما يبدو من (متلازمة الكوابيس السينية)، وأصبح رائق البال، كما نبتت له بذرة كرش صغيرة تدلل على راحته.. لكن بعد عامين آخرين تقريبا – كما تقول الزوجة – بدأت أعراض المتلازمة تطل من جديد، وإن بدأ ظهورها ضعيفا وفي فترات متباعدة قبل أن يشتد. البداية كانت بكلمات صغيرة يرمي بها “سين” وهو نائم قبل أن يطنطن بما لا يفهم ويغرق من جديد في النوم؛ كلمات مثل: “هانت”، “قربت”، “تتحل دي بس”، “الجريف واللوبيا”!
في السنة الثالثة ارتفعت مناسيب الكوابيس لدى “سين” بصورة أصابت زوجته بحالة من القلق والخوف، فالرجل أصبح بمجرد أن يضع رأسه على الوسادة، ويشخر مرة واثنتين تبدأ المتلازمة في العمل: “البيت، طن الأسمنت، طريق المدرسة القديم، الأولاد، وين وكيف؟ درب الحول قريب”.. وووو.
مع مرور السنوات صارت الكوابيس السينية مسألة عادية ومتقبلة لدى الزوجة والأولاد، نعم قد ينتبهون إلى تشابكات كابوسية متعلقة بالمكان أو الزمان، وعائدة من حالة نوم قديمة تظهر في حالة حديثة.. لكنها لم تعد تقلقهم وإن ظلت تتكاثف يوما إثر آخر ولا تنتهي أبدا.
نواصل