الصادق المهدي: نراعي الحساسيات بين مصر والسودان وسايقين يمين

منذ خروجه من البلاد قبل قرابة العام والصادق المهدي بعيد بكيانه عن الوطن، ولكنه موجود في كل تفاصيله وتحولاته، فالرجل لا يمر أي حدث إلا وجدناه حاضرا ومعلقا عليه متفاعلا معه، لديه رؤية في حل الأزمات قد يختلف معها كثيرون وقد يتفق آخرون، إلا أنه يظل رقما مهما على الساحة السياسية السودانية، لا يمكن تجاوزه بحجمه وتاريخه وثقل حزبه.. اتخذ الإمام من القاهرة مقرا لإقامته، وربما لم يساعده هذا المقر في انطلاقه إعلامية كبيرة للدفاع والتبشير بأفكاره، ولكنه أصر على الوجود بمصر، قد يكون لقربها الجغرافي والوجداني من الوطن، أو لإيمانه بأنها الأكثر تأثيرا على السودان… ذهبنا للإمام الذي يتخذ من منطقة مدينة نصر مقرا له بالقاهرة كي نقف معه على مجمل التطورات الداخلية والإقليمية والدولية، ووجدناه وسط بعض أبنائه وأحفاده، تحدث إلينا وكأننا معه في بيته بالخرطوم وكان مرتاحا متصالحا مع الأمر، وعرج بنا في دهاليز أدق التفاصيل التي تسيطر على المشهد بانسيابيته المعهودة وبآرائه الجديدة دائما.. بدا هادئا قويا مبتسما، ولكننا شعرنا أنه يرغب في العودة السريعه إلى أرض الوطن، فقد تكون الانطلاقة الداخلية وحتى من داخل قضبان الوطن أفيد بكثير من الحركة داخل جدران الغربة… وفي ما يلي نص جلستنا مع الإمام الصادق المهدي.

* هناك كثيرون في مصر رفضوا رسالتك إلى السيسي ووصفوها بأنها بدون عنوان؟

– أنا لم أكتب هذه الرسالة إلا من زاوية الحرص على الاستقرار والتنمية والوحدة الوطنية في مصر، وأعلم أن هناك من سيرفضها في السودان وفي مصر، ولكن هناك ناس يقبلونها، وهذا الموضوع بيد السيسي يسمع مني ومن الآخرين ويقرر في ذلك.

* (مقاطعة).. هناك من يقول إن هذا العفو ليس بيد السيسي وإنما بيد الشعب المصري؟

– هذا كلام تهريجي… فالشعب المصري عنده دستور، وهو رئيس الجمهورية، والحقيقي أن هناك مصريين يريدون معاقبة الإخوان وآخرين لا يريدون، ولكنني أفكر بطريقة استراتيجية، ومستقبل مصر وللمخاطر الموجودة، لكن في النهاية لا يمكن أن نقول إن هذه المسألة في يد الشعب المصري، فهو غير موجود بالشارع، عنده دستور وعنده رئيس وهذا الرئيس هو الذي يقرر. كلام قلته وأدافع عنه، وما زلت أقول إننا ضحايا حركات إسلامية، فالمرجعية الإخوانية بادرناها بحب شديد، ولكنها لم تقابلنا بمودة، وعملت كل ما يمكن عمله للإساءة لنا، وأفتكر أن هذا الخطاب هناك ناس كثيرون ضده، وهناك أيضا كثيرون معه وأترك للسيسي القرار.

* قرابة العام وأنت مستقر في القاهرة… هل شعرت بمضايقات في مصر بعد تقارب واضح بين الحكومتين؟

– لا.. لا توجد مضايقات.. أنا التقيت وزير الخارجية المصري، هناك انطباع لدى الحركات المسلحة السودانية بأن مصر ضدهم، وأنهم بذلك لا يثقون في مصر ولا علاقة لهم بمصر، في باريس ناقشنا هذا الموضوع، وأقنعتهم بأن نضع في إعلان باريس نصا بأن تلعب مصر دورا في الشأن السوداني، العالم كله لديه دور في السودان، فكل العالم لديه مبعوث خاص في السودان، وقلت لوزير الخارجية هذا الكلام، وأعتقد أن مصر متحسسة من هذا الدور لأن هناك حساسية في هذا الأمر، قلت لهم: هل علاقتكم بالحكومة فقط أم بالشعب السوداني أيضا؟، مصر عندها مسؤولية تجاه الشعب السوداني، ولا يمكن أن تكون بعيدة من هذا، ولذلك كان عشمنا أن تلعب دورا، وهذا ليس معناه أن تكون مع المعارضة، ولكن أيضا تكتفي بما تسمع من الحكومة، وليس من مصلحة مصر البعد عن السودان.

* وماذا كان رد فعل الإدارة المصرية على ذلك؟

– قالوا سيدرسون الموضوع، نحن سلمناهم كلاما مكتوبا، والموضوع متأرجح، فهناك نوع من التحاشي بين الحكومتين، وعندما صدرت أحكام الإعدام، أخذت الحركة الإسلامية موقفا واضحا، والإخوان داخل الحكومة السودانية أخذوا موقفا واضحا وكذلك مساجدهم، الموقف الحقيقي أنه حاصل تدخل ورفض من السودان، والحكومة تحاول أن تراوغ في ذلك. وأرى أنه لابد أن تبنى الأمور على حقائق، والحقيقة أن النظام في السودان مرجعيته إخوانية.

* هل سياسة التحاشي المصرية التي تحدثت عنها تحجم نشاطك في القاهرة؟

– نعم… نعم… ونحن نراعي هذه الحساسيات، ولذلك نتحرك و(نسوق يمين)، على أي حال نشاطنا ليس ضروريا أن يكون داخل مصر فلدينا العالم كله، ولذلك نقدر نفهم هذه الحساسية، ونرى أن مصر يجب أن تعي الواقع الحقيقي.

* دائما تتحدث عن تقاطعات سودانية عربية وقلت إن ليبيا ستكون ساحة للصراع بين مصر والسودان والأيام أثبتت عدم صحة هذا الحديث؟

– أعتقد أنه من المؤكد أن النظام السوداني له علاقة بفجر ليبيا ويمكن أن يقنعوا فجر ليبيا بالمصالحة، لكن المؤتمر الذي تم بالقاهرة صنف الإخوان المسلمين بأنهم حركة إرهابية، وهذا لا يمكن أن يسير فيه النظام السوداني، فهو الآن يسير بطريقة متناقضة، وهذه المواقف لابد أن تصل لنتيجة، ولا يمكن أن تظل هكذا متناقضة، ونعتقد الآن أن مصر تأخذ موقفا محددا مع طبرق، مع البرلمان المنتخب وحفتر، ضد طرابلس وسرت، والسودان يراوغ، ولا يمكن استمرار ذلك، والمعارضة السودانية مع طبرق، ولكن النظام يتكلم لغة تختلف عما يقوم به.

* وماذا تقول في موقف الحكومة السودانية من عاصفة الحزم؟

– بالنسبة لموضوع السعودية، مافي شك أن النظام لديه علاقات وثيقة جدا بإيران، والآن غير موقفه، وفي رأيي أن موقفه غير مبدئي، رأيي أن عاصفة الحزم لن تحسم القضية في اليمن، ولذلك اقترحنا أنه لا يمكن لهذه الحرب إلا أن تأتي بخطر على السعودية، والخطر الأكبر على السعودية من العراق وليس اليمن، ومن داعش، وذلك يشغل السعودية عن أولوياتها الأمنية، على أي حال وحتى لو كانت أولوياتها في اليمن فالحرب لن تحسم القضية، هناك أكثر من شهرين، وعاصفة الحزم لم تحقق أهدافها المرجوة، تحالف صالح الحوثي مازال في الأرض، ولذلك اقترحنا الحل، فالمؤتمر الذي عقد في الرياض بالعناصر التي تؤيد الهادي منصور، وفي محاولة للأمم المتحدة، وأنا في رأيي الأفضل أن تقوم وساطة من خمس دول عمان والجزائر ولبنان وماليزيا.

* (مقاطعة).. لماذا هذه الدول تحديدا؟

– لأنها أقرب للحياد وللتعامل مع التنوع، لا يوجد حل في اليمن ما لم يحقق وحدة وطنية، ومعادلة سنية شيعية، وضروري جدا توقيع اتفاقية أمنية بالمنطقة تدخل السعودية وإيران وتركيا أطرافا فيها، إذا لم يحدث ذلك فستستمر الحروب بالوكالة، نعم الحوثيون أخطأوا في أنهم حاولوا أن يستولوا على الحكم بالقوة، وقامت ضدهم عاصفة الحزم، ولكنها لن تحسم هذا الموضوع، واقترحنا أن يتولى هذا الموضوع ليس مؤتمر الرياض ولا مؤتمر الأمم المتحدة، لكن الدول الخمس، حتى لو كلفت من الأمم المتحدة ومجلس الأمن بأن تقوم بهذه المهمة، لأن الأمر يتعلق بالأمة العربية والإسلامية، ويمكن أن يكونوا ممثلين لها.

* لم تقل رأيك في موقف الحكومة السودانية في عاصفة الحزم؟

– في رأيي موقف ليس مبدئيا، وليس مثمرا، ولو سئلت أقول للسعودية نحن في السودان لن نسمح باستخدام شاطئ البحر الأحمر ضد السعودية، وفي السودان عندنا علاقات مع الحوثيين وعلي عبد الله صالح، متى نكون مستعدين للتصالح مستعدين نتعاون في إقناعهم، كان ذلك أكرم للسودان، وأكثر تماشيا مع الواقع، لكن حركة إخوان السودان كفرت الحوثيين، وفي رأيي تكفير الحوثيين خطأ، فهم مؤمنون ومسلمون، صحيح أنهم أخطأوا، ولكن هذا ليس معناه أنهم كفار، وكان من الممكن أن يلعب السودان دورا في أي عملية صلح في المستقبل.

* عفوا سيدي الإمام ولكن أي موقف آخر للسودان كان سيفسر بأنه خارج الإجماع العربي ولصالح إيران؟

– على أي حال في رأيي ليس مفيدا، وكان يمكن أن يكون أفيد للمملكة أن يقول السودان نحن ضد التحرك الحوثي ومع لجم الحوثيون في اليمن ولكن ليس عندنا إمكانية للمشاركة في حرب (الفينا يكفينا)، وإننا مستعدون للمساعدة في أي حل سياسي، النظام أخذ موقفا أظهر أنه متهافت ولن يغير شيئا لأن المطلوب الآن الموقف السياسي وليس العسكري، فصعب مساعدة المملكة بوسائل أخرى.

* ذهبت للسفارة السودانية مؤخرا لعمل الباسبورت والبعض فهم من ذلك أنك تمهد للرجوع للسودان ألم يكن ممكنا ذهاب شخص آخر ينوب عنك في ذلك؟

– لا ليس ممكنا لأن الباسبورت الإلكتروني يستوجب حضوري للسفارة، وليست هناك أي إشارات من ذهابي للسفارة، صحيح في السفارة أكرمونا وعاملونا بطريقة محترمة، بالمناسبة حسب القانون السوداني أنا عندي حق كرئيس وزراء سابق في معاملة بروتوكولية معينة، ومعاملة خاصة، من جواز دبلوماسي ويستقبلونني، ويعالجون أسرتي، هناك أشياء كثيرة جدا أنا غير مستمتع بها في الواقع، ولذلك عندما أسير في شيء مثل ذلك طبيعي استقبالي بحفاوة.

* ما هي توقعاتك للحكومة الجديدة؟

– لا يوجد شيء اسمه (حكومة جديدة)… هي نفس الحكومة وارد أن يغيروا الوجوه لكن بنفس السياسات ونفس الحكومة، ولم تكن هناك أي زيادة في السند الشعبي، في رأيي أنها استنساخ للأزمة الحالية في المستقبل.

عبد الرحمن الصادق في الحكومة الجديدة؟

– لا أدري… عبد الرحمن يقرر نفسه وحده، ولكننا لا صلة لنا بعبد الرحمن ممثلا في الحكومة، ولا أي إنسان يدخلها.. بالعكس قررنا أن أي شخص من حزب الأمه مشترك في هذه الحكومة نمنع أي نوع من العلاقة معه.

* هل بعدك عن الحزب أثر عليه؟

– أبدا… حزب الأمة لديه أجهزة تعمل وكل الناس الذين خالفونا لم يخالفوا شخصي ولكن خالفوا الأجهزة، الأجهزة شغالة، ولذلك من يقول لي تعال نناقش ونبحث، أقول إن هناك أجهزة في الحزب تأخذ القرارات.

* ولكن الخلافات مازالت حادة داخل الأمة؟

– هناك ناس خرجوا لأنهم خالفوا المؤسسات وربما يعودون.

* وبالنسبة لدارفور والحرب القبلية في شرقها؟

– كل ما يمكن عمله عملناه.

* ماذا فعلتم؟

– عملنا نداءات واتصالات بأفراد لكن الحاصل في السودان أن هناك 14 جبهة قتال، للأسف الحكومة بسياستها نشرت السلاح بصورة كبيرة وهناك كثيرون عندهم مسؤولية في الحكومة ولهم صلة بأهلهم، وللأسف يغذون الصلة بأهلهم حتى يكونوا لهم سندا بوظائفهم، ونتهم الحكومة بأنها السبب لإي إشعال النيران في دارفور.

* كلمة أخيرة؟

– نعتقد أن المنطقة كلها الآن في حالة ما يمكن أن نسميها حرب أهلية فعلية أو قادمة في كل المنطقة، وللأسف تواجه محنة كبيرة لأن الفتن القبلية والإثنية استيقظت بصورة كبيرة جدا، لابد من إطفاء هذه النيران، لأنها إذا استمرت مشتعلة فستشتعل المنطقة كلها، والسودان مع أن الأوضاع فيه مليئة بالمواجهات الحالية، أقرب إلى أن يجد مخرجا فيه عملية سلام شامل، وتحول ديمقراطي عادل، وفي رأيي مع كل المساوئ الموجودة في الشأن السوداني إلا أن السودان قادر على عمل شيء وأن يلعب دورا مع بقية دول المنطقة في إخماد هذه النيران، أنا مؤمن بهذا، وأعتقد أن الشعب السوداني لن يخيب أملنا في تحقيق هذه الآمال.

اليوم التالي

Exit mobile version