قلة قليلة إنتبهت لتوقيت قرار القائد الأعلى للقوات المسلحة السودانية المشير عمر حسن أحمد البشير الخاص بإعفاء رئاسة الأركان المشتركة بالجيش وتكوين رئاسة أركان جديدة, رغم أن هذا القرار يبدو عادياً وفق ما هو متبع في القوات المسلحة تفرضه النظم واللوائح العسكرية لتجديد القيادات.
هذه التغييرات وتوقيتها لها أكثر من دلالة, فهي لم تصدر من السيد رئيس الجمهورية المنتهية ولايته, كما أنها لم تصدر من السيد الرئيس المنتخب, إذ أنها صدرت قبل أدائه لليمين الدستورية بيوم واحد, وحملت توقيع المشير عمر حسن أحمد البشير القائد الأعلى للقوات المسلحة السودانية.
الدلالة الأولى لهذا القرار هو أن أمر التغييرات في الجيش السوداني, هو شأن عسكري بحت يقرره القائد الأعلى بالتشاور مع عدد من القيادات العسكرية وفق تقديرات خاصة, لذلك جاء القرار بإسم القائد الأعلى للقوات المسلحة.
ثاني هذه الدلالات إن توقيت القرار سبق الإعلان عن الحكومة الجديدة ودفع بدماء جديدة إلى غرفة القيادة المركزية بالقوات المسلحة, وهذا يعني إلتزام الجيش السوداني بنظم ولوائح الضبط العسكري في الترقية إلى الرتب الأعلى, والإحالة إلى التقاعد وفق ما هو متبع من قبل, مع شكر المحالين الذين ترجلوا عن مواقع القيادة على ما بذلوه من جهد وعطاء خلال فترة خدمتهم التي أهلتهم للتقدم في مدارج القيادة.
ويعني القرار أيضاً لأي قارئ للأوضاع السياسية والأمنية وللواقع السوداني الحالي, يعني أن السيد القائد الأعلى للقوات المسلحة, فكر في إتخاذ القرار بعقلية رئيس الجمهورية المنتخب, بمعنى أنه (قد) يستعين بعدد من هذه القيادات التي خبرها وعجم عودها, في أكثر المواقع حساسية, وإرتباطاً بأمن الوطن, خاصة وأن هناك قرارات مرتقبة بشأن الإعلان عن تشكيل وزاري جديد, قد يجد فيه واحد أو إثنان من هيئة رئاسة الأركان المشتركة السابقة مكاناً ليس ببعيد الصلة عن الخبرات العسكرية والأمنية, وهذا ليس بالغريب لأن عدداً من أعضاء هيئات أركان سابقة تولوا مناصب تنفيذية أو حتى سياسية, ومنهم على سبيل المثال لا الحصر, الفريق محمد بشير سليمان والفريق عبد الرحمن سر الختم والفريق عصمت عبد الرحمن, والفريق محجوب شرفي الذي سبق وأن تم ترشيحه سفيراً للسودان في إحدى دول الجوار لكنها إعتصمت بالصمت ولم ترد على ترشيح السودان له, وهو ما يفسر بالرفض في لغة الدبلوماسية الناعمة.
قلة من المراقبين للشأن السياسي في السودان- ونحن منهم- يرون أن تغييراً كبيراً سيشمل مواقع ومقاعد الولاة, وربما لا يبقى إلا واليان أو ثلاثة في مواقعهم الحالية خاصة بعد التعديلات الدستورية التي أعطت رئيس الجمهورية المنتخب الحق في إختيار الولاة.. وهو ما يجعل المراقبين لا يستبعدون تعيين ولاة عسكريين في بعض الولايات التي تواجه تحديات أمنية وعسكرية, إن كانت من قبل حركات مسلحة تتمرد على الدولة, أو من قبل ولايات تجاور دولة جنوب السودان التي لم تلتزم حتى الآن بتطبيق كامل بنود إتفاقية السلام أو ما تبعها من إتفاقيات مثل التعاون المشترك وغيرها.
رئيس الأركان المشتركة الجديدة هو ذات الفريق أول مهندس ركن مصطفى عثمان عبيد سالم رئيس الأركان السابقة, وجاء ضمن الهيئة الجديدة الفريق الركن مهندس حسن صالح نائب إدارة برية وكان مديراً للأكاديمية العسكرية العليا برتبة لواء, وقد تعرف عدد من الصحفيين والإعلاميين عن قرب على عدد من هذه القيادات, خاصة بعد إكمالهم لدورة خاصة تحت مسمى الملتقى الإستراتيجي الأول للإعلاميين والعسكريين في سبتمبر من العام الماضي وحصلوا على شهادات من مركز تدريب القيادات ممهورة بتوقيع المشير عمر حسن أحمد البشير رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة, وعلى توقيعات كل من الفريق أول مهندس ركن مصطفى عثمان عبيد سالم رئيس الأركان المشتركة, واللواء مهندس ركن- وقتها- حسن صالح عمر محمد دين مدير الأكاديمية العسكرية العليا واللواء ركن (م) محمد خوجلي الأمين مدير مركز تدريب القيادات.
نعود لما بدأنا به هذا المقال ونختم بأن للتغييرات التي حدثت في رئاسة الأركان المشتركة أكثر من دلالة.. أو مفهوم.. فالمرحلة القادمة أو الولاية الجديدة للرئيس المنتخب ستشهد تغييرات حقيقية قد يتراجع فيها دور السياسيين قليلاً لصالح الجيش.