المشي أثناء النوم من أكثر الظواهر التي حيرت الأطباء والعلماء كثيرا. وتشير الإحصائيات إلى أن الأطفال هم أكثر عرضة للإصابة بهذا الأمر الذي يكثر ظهوره بين الذكور أكثر من الإناث. أما بالنسبة للبالغين فقدر إحصاء نشره موقع “أبوتيكين أومشاو” الألماني، نسبة المصابين بهذا الداء بنحو واحد إلى أربعة بالمائة، غالبا ممن عانوا منه أثناء طفولتهم.
لكن الأطباء يعتقدون أن الأرقام الفعلية أكبر من ذلك بكثير، لاسيما وأن معظم من يعانون من السير أثناء النوم لا يتذكرون أي شيء عما حدث لهم خلال الليل، في اليوم التالي كما أنه من الصعب للغاية رصد الحالات بدقة والحديث عنها بشفافية. ويعكف الأطباء على دراسة التغيرات التي تحدث في المخ أثناء النوم وتؤدي إلى حدوث هذه الظاهرة، فالمعروف حتى الآن أن المشي أثناء النوم يحدث في مرحلة النوم العميق أي في النصف الأول من الليل.
لعل الغريب في الأمر أن المريض يقوم من نومه ويتحرك كما لو كان في حالة الاستيقاظ في حين أن إشارات المخ في هذا الوقت تشير إلى كونه في حالة نوم عميق. ونظرا لانتشار هذه الظاهرة بين الأطفال بشكل أكبر فإن العلماء يعتقدون أنها ربما ترجع إلى أن الأطفال ينامون عادة بشكل أعمق من البالغين. وربما يرجع السبب أيضا إلى عدم اكتمال نمو المخ لدى الأطفال.
ويشرح البروفيسور أكسل شتايجر، مدير معمل دراسات النوم بمعهد ماكس بلانك للعلوم النفسية في مدينة ميونيخ الألمانية، الأمر في تصريحات لموقع “أبوتيكين أومشاو” قائلا، إن العملية كلها تبدأ بأن يستيقظ الشخص بشكل مفاجئ وتكون العين مفتوحة وعلى الوجه نظرة ثابتة. وقد يعود الشخص للنوم مرة أخرى سريعا أو يغادر سريره ويبدأ في الحركة. وعادة ما يستغرق الأمر كله بضع ثواني أو دقائق قليلة نادرا ما تصل إلى نصف الساعة.
عامل وراثي؟
عندما يقوم الإنسان من سريره أثناء النوم فإنه يتمتع بكافة القدرات الحركية التي يستطيع القيام بها أثناء فترات النهار، فمن الممكن أن يقوم الشخص خلال دقائق السير أثناء النوم بنزول السلم وصعوده وإعداد الطعام وربما الحديث مع أشخاص آخرين. وفي الولايات المتحدة ظهرت حالة كان المريض فيها يقوم بقيادة سيارته في الدقائق التي يتحرك فيها أثناء نومه.
ومن الأمور التي تزيد من صعوبة فحص هذه الظاهرة، هو استحالة مراقبتها في الحقيقة، فالأطباء يمكنهم وضع المصاب بهذه الحالة تحت المراقبة في معامل مخصصة لذلك، لكن الظروف الموجودة في هذه المعامل من إجراءات تأمين وأسلاك لرصد نشاط المخ وغيرها، ليست مشابهة للواقع.
ولا يصنف الخبراء هذه الظاهرة ضمن الاضطرابات النفسية، لكنهم يرجحون وجود عامل وراثي مرتبط بالجينات، خاصة وأن نحو 80 بالمائة من المصابين بالسير أثناء النوم، لديهم قريب واحد على الأقل مصاب بهذا الأمر، وفقا لتقرير “أبوتيكين أومشاو”.
وتكمن الخطورة هنا في أن هذه الحركات تزيد من مخاطر التعرض لحوادث لاسيما وأن المخ لا يكون في حالة يقظة كاملة، بمعنى أن الشخص من الممكن أن يتعثر في الطريق أو يصطدم بالباب دون أن يلاحظه. ورغم عدم وصول الطب حتى الآن للحقيقة الكاملة حول هذه الظاهرة، إلا أن الأبحاث تشير إلى أن الضغط العصبي وقلة النوم وتناول العقاقير المضادة للاكتئاب والكحوليات، كلها أمور تزيد من تدهور الحالة.
ولا يوجد حتى الآن دواء لعلاج ظاهرة السير أثناء النوم، لكن إذ ظهر الأمر بشكل مفاجئ لدى شخص بالغ أو مصاب بالزهايمر أو الشلل الرعاشي، فينصح الخبراء بإخضاعه لعمليات المراقبة في المعامل المتخصصة أثناء النوم، لرصد أي خلل محتمل في الأعصاب يمكن علاجه.
DW