متى ما تأكدت الدولة أن هناك فسادا لا ترحم..” هكذا يقول مساعد الرئيس بروفيسور إبراهيم غندور، الذي رفض وصم حزبه بتهمة الفساد خلال مخاطبته ندوة الإصلاح التي أقامتها أمانة المرأة بالحزب. لا جديد في حديث غندور، فالمؤكد أن الإنقاذ ظلت منذ إذاعة البيان الأول عام 1989م تعد باجتثاث الفساد، وفي خطاب الرئيس أمس الأول أمام نواب الوطني المنتخبين في الهيئة التشريعية قال إن أول تشريع للهيئة سيكون قيام مفوضية للشفافية ومكافحة الفساد بصلاحيات وسلطات واسعة جدا تتبع لرئيس الجمهورية. وقد سبق وأن أنشئت آلية لمكافحة الفساد ترأسها الدكتور الطيب مصطفى أبو قناية الذي عمل وكيلا لوزارة المالية إلى أن تم انتدابه لمؤسسة الرئاسة لتأسيس الآلية ثم عمل رئيسا لها وتم تعيينه فيها في فبراير من عام2011م، ليضطلع بمهام التنسيق بين رئاسة الجمهورية والجهات المختصة في وزارة العدل والمجلس الوطني لاستكمال المعلومات وإعداد التقارير بشأنها، ولكن آلية أبوقناية لم تستمر كثيراً، فبعد مرور عام من إنشائها تم إعفاؤه دون أن نعثر على غول الفساد.
ولم يتم حينها الكشف عن أسباب إعفاء الرجل الذي بدا جادا في محاربة الفساد عندما أقر بأن إجراءات رفع الحصانة معقدة جدا، لافتا إلى أن الرئيس أكد له مرارا أنه لا كبير على القانون. الإرشيف الصحفي يحتفظ لأبوقناية بمقولته: “سيوفنا مشرعة على الفساد”.
ووفقاً لمراقبين فإن إنشاء مفوضية لمكافحة الفساد واحدة من خطوات الإصلاح شريطة أن يتم التعامل بشفافية. ففي إمكان غول الفساد ابتلاع أموال المؤسسات.
في الأثناء تبدو بعض الأذرع والكيانات المحلية في واجهة مشهد عملية المحاربة، من شاكلة منظمة الشفافية السودانية التي تسعى بالشراكة مع المؤسسات الرسمية والطوعية السودانية ذات الصلة والمنظمة الدولية إلى تعزيز الشفافية وصولا للتنمية المستدامة والحكم الرشيد. يقول رئيسها الدكتور الطيب مختار لـ(اليوم التالي): إن التعريف العالمي للفساد، حتى في القرآن الكريم مربوط في معظمه بإساءة استخدام السلطة وتجاوز القوانين، وأشار إلى أن منظمتهم تسلط الضوء على الظاهرة لكن الجهة التي تتولى التحقيق هي المفوضية التي تنوي الحكومة إنشاءها. ورجح مختار نجاح المفوضية حال منحت صلاحيات واسعة، وإذا منحت الاستقلالية. ويضيف: ربما لم تقم الآلية السابقة على أسس تشريعية ومؤسسية كاملة. وبحسب الطيب فإن الآلية تحتاج إلى كادر متكامل قانونيا وإداريا ولديه الاستقلالية الكاملة والمقدرة والشجاعة على اتخاذ القرارات اللازمة كما تحتاج لكادر يتفهم كيفية مكافحة الفساد أو محاصرته لا لأصحاب العقلية التجريمية، والغرض منها المحاصرة والتجفيف مصادر الفساد وسد الثغرات التشريعية والتنفيذية التي ينفذ منها.
وبحسب تعميم لمنظمة الشفافية أمس فإن إنشاء الآلية يمثل “خطوة عملاقة على طريق الإصلاح)، وأضاف دكتور الطيب: “قيام مثل هذه المؤسسات المستقلة ذات الصلاحيات الواسعة يجد الاحترام والتأييد من الرأي العام الطوعي والرسمي محليا وعالميا كونها تشكل قاعدة قوية للانطلاق نحو الاستقرار والتنمية المستدامة وصولا إلى الحكم الرشيد”.
بالنسبة للخبير الاقتصادي دكتور محمد الناير فإن إنشاء مفوضية لمكافحة الفساد خطوة مهمة شريطة أن تعطى صلاحيات واسعة لا حدود لها لتقوم بدورها دون تدخل ويمكن أن تفضي إلى متابعة إقرارات الذمة المالية وعندما يأتي الشخص للوظيفة تراجع الإقرارات بصورة سنوية وعند مغادرته الموقع تقاس المكتسبات التي نالها خلال عمله في الموقع ومدى تناسبها مع العائدات.. ويضيف الناير في حديثه لـ(اليوم التالي): هذه الخطوة يمكن أن تساعد في القضاء على الفساد وتزيد من إيرادات الدولة، خاصة وأن المالية تتجه للتعامل الإلكتروني في الفاتورة الضريبية وإيصال (15) المحوسب ونظام الخزانة الموحدة.. وختم الناير حديثه بقوله: يمكن أن تقلل مفوضية مكافحة الفساد من معدل الفساد والتجنيب.
أما مولانا أحمد الطاهر حمور المحامي والقاضي السابق فيقول في حديثه لـ(اليوم التالي) ردا على أسئلتنا التي وجهناها له حول إمكانية سن تشريع لمحاربة الفساد في ظل قيام المفوضية أم أنها ستعتمد على القوانين الجنائية السائدة؟.. إن التشريع الذي يحد من الفساد موجود، وأضاف: لا أعتقد أنه ستسن قوانين موضوعية لمحاربة الفساد وقد تكون هنالك تشريعات إجرائية لمحاربة الفساد.. وأرجع حمور نجاح مكافحة الفساد إلى إرادة السلطة، وقال: الأجهزة التي تحارب الفساد موجودة.. مشيرا إلى أن جرائم الفساد إن وجدت يصعب إثباتها لأن الجناة لا يتركون أثرا يوقعهم تحت طائلة القانون.. وشدد على ضرورة “أن يكون مستلمو السلطة من الوزراء والموظفين العموميين على مقدار عالٍ من الأمانة كما ينبغي أن تكون هنالك تسهيلات عامة للمواطنين في سكنهم ومعيشتهم وعلاجهم ووسائل تنقلهم وتعليمهم حتى لا تمتد أيديهم لأكل أموال الناس بالباطل كما ينبغى أن تكون هنالك قدوة حسنة وإذا توفرت هذه العناصر فإن الفساد سينحصر
اليوم التالي