لا يزال (الأعراب) يتجادلون حول قضايا انصرم بِها الدهر ودهستها الحداثة والتقدم في كافة مناحي الحياة، بدءاً من العلمِ والمعرفةِ إلى آخر (مُدهِشات وأعاجيب) تقنيات التواصل والاتصال التي (كبسلت) العالم كله في (قرية صغيرة). فإلى الآن يحتدم جدل فسطاطي السنة والشيعة، فيتشعب ويتفرع ويتمدد ويطغى ويستكبر إلى حرب ضروس تقضي على الأخضر واليابس وتنعقد بشأنها التحالفات وتنفض، وتدار حولها الحوارات البكماء والخرساء، بينما يلعلع الرصاص.
لكن – وللأسف – فإن كل ما يحدث في هذا الصدد، لا يتم تدوينه بشكل نزيه، بل يتم تزويره بطريقة متعمدة ومقصودة ولأجل ذلك تسخر الأموال ويُجند الرجال، فانظر حولك إلى الصحف والفضائيات واصغ إلى الإذاعات، فلن تجد غير الهراء والأكاذيب والفبركة.
لو كانت رحى الحرب المشتعلة الآن في الشرق الأوسط تدور في مكان آخر، لتم التوثيق لها بصدق وشفافية، وهذا ما سيساعد الأجيال القادمة – لاحقاً – على التعرف على حقيقتها وبالتالي عدم تكرارها مرة أخرى، وهذا ما يسميه الخطباء (عبرة لمن يعتبر).
هنا لا أحد يدّون حدثاً ما بطريقة صحيحة، الكل يزوّر والكل يكذب ويصرخ، لا أحد يفكر لأن فعل التفكير لا يتسق مع ثقافة (القطيع)، فعلى القطيع (الرعية) أن تُذعن لرغبات (الراعي)، أي الوجهات أدارها فلتفعل ما يريد وإلا فجز الرؤوس وإراقة الدماء.
ما يحدث في السودان هو محاكاة غير متقنة لجدل (الأعراب) واقتفاء أثرهم الثقافي مما لا ناقة لـ (السوادنة) فيه ولا جمل، فهنا في هذه البلاد لسنا منقسمين إلى (سنة وشيعة)، صحيح أن السودانيين سنة وعلى مذهب الإمام مالك (على الورق)، لكنهم في الواقع يحتفلون بعاشوراء ويغدقون و(يوسعون)على أنفسهم فيه ويسمي السوداني أبناءه عائشة وعلي وجعفر وأبوبكر وعمر والصادق وحسن وحسين والخميني وربما (رفسنجاني)، وهذا غير مستبعد، فبعضنا أطلق على ابنه اسم (لينين) أيضاً.
الإسلام في السودان، لا يختزن تلك (المحمولات) و(الضغائن) والثأرات التي ينضح بها إسلام الجزيرة العربية وبلاد الرافدين والشام، هو إسلام أقرب إلى شمال وغرب وشرق أفريقيا منه إلى بلاد (العربان) بشامها ويمنها وعراقها وجزيرتها.
بطبيعة حالنا لا نريد أن نمضي إلى (معمعة) الأعراب الدائرة الآن فسنستغرق فيها بما لا تحتمله (مواعيننا)، فلسنا نحن ممن يذهبون إلى طِعان ليس بطعاننا، ولا إلى معركة ليست معركتنا.
صحيح لا بد أن نتخذ موقفاً، لكنه ينبغي أن يكون متوازناً حتى لا تتم (دحرجته) إلى هوةٍ سحيقة، فيقتل عليٌّ أخاه لأن اسمه (أبوبكر). هذا لا يشبهنا ولا نريده، و(الفينا مكفينا).
ثم إنهم – حين انتهاء (معركتهم) – لن يأتوا بأثرنا فيها، لأنهم لا يقولون الحقيقة، فالتدوين عندهم يمضي على نحو مما ورد على لسان (الأوزاعي): “كان هذا العلم شيئا شريفاً، إذ كان من أفواه الرجال يتلاقونه ويتذاكرونه، فلما صار إلى الكتب ذهب نوره وصار إلى غير أهله.