*ذكرناها – من قبل – طرفة عكاشة صاحب الفرن بحلفا..
*وسوف نذكرها الآن أيضاً بمناسبة كلمتنا اليوم..
*فمخبز عكاشة هذا كان مشهوراً بصغر حجم رغيفه..
*وخلال خطبة جمعة طفق يبكي بكاءً شديداً والإمام يُحدث الناس عن يوم الحساب..
*فصاح فيه جاره (مش راح ينفع البكا يا شيخنا ، كبِّر الرغيف!)..
*وإمام مسجد دفعتني الظروف إلى الصلاة خلفه البارحة بكى بكاءً مراً..
*ولكنه كان بكاءً موجهاً نحو الخارج وليس الداخل..
*فما كان يبكي على مرضى الكلى الذين توقفت أجهزة الغسيل الخاصة بهم مثلاً..
*ولا على أطفال الربو الذين يموتون بسبب نقص أنابيب الأكسجين..
*ولا على ضحايا الصراع الدائر في مناطق النزاع..
*ولا على معاناة المواطنين جراء قسوة الراهن..
*ولا على أموال الشعب المنهوبة بحسب تقارير المراجع العام..
*ولا على تلاميذ المدارس الذين يتضورون جوعاً في حصة الفطور..
*ولا على المرضى الذين يحتضرون بين يدي المشافي للافتقار إلى رسوم العلاج..
*ولا على تراجع الفضيلة أمام هجمات الرزيلة..
*ولا على تدني ذائقتنا الفنية إزاء(منحط) الغناء..
*ولا على تزايد ظاهرة اللقطاء حتى امتلأت بهم (دار المايقوما)..
*ولا على تفشي ظواهر الشذوذ والسحاق والمخدرات..
*لم يكن يبكي لأيٍّ من ذلكم – أو غيره – إمام المسجد المذكور..
*بل لم يكن يبكي لشأن داخلي أصلاً..
*وإنما كانت دموعه عابرة لحدودنا من جهة الشمال..
*كانت بسبب أشخاص يواجهون محاكمات ذات طابع سياسي..
*محاكمات لا ناقة لنا فيها ولا جمل بحسبانها (شأناً داخلياً)..
*محاكمات حين تجرى عندنا مثلها – ولو كانت عسكرية – لا تقدح الدولة المعنية في قضائنا..
*ولا أمثال الإمام الباكي هذا أيضاً..
*ولا تُذرف دموع هنا – أو هناك – على المحكوم عليهم..
*ولا أدري إن كان إمامنا البكَّاي قد بكى (مجدي) – على سبيل المثال – أم لا..
*فهي ليست – إذاً – دموعاً تنهمر لأسباب دينية..
*ومن ثم فإن محلها ليس منابر المساجد وإنما السياسة..
*فالأقربون – شرعاً – هم الأولى بعاطفة تتجلى صدقةً أو هماً أو (دمعاً)..
*ولم يحدث أن جاد رجل بقليل طعامه – وكثير دمعه – على جيرانه وأبناؤه جوعى..
*وفي أمثالنا الشعبية (الزيت يحرم على الجيران إن لم يكف ناس البيت)..
*و(ناس البيت) الذين يحتاجون إلى دموع إمامنا هذا لا (وجيع) لهم..
*فالدموع والأموال والإعانات والمساعدات (تطير) بعيداً عنهم..
*وإمامنا حسه الديني مثل (رغيف عكاشة!!).