في أول مؤتمر صحفي له أمس ،منذ عودة السيد محمد عثمان الميرغني رئيس الحزب من منفاه الإختياري بالقاهرة، أودع الحزب الإتحادي الديمقراطي (الأصل) هواجسه من العملية الإنتخابية القادمة. وعكس المتحدثان حاتم السر الناطق الرسمي بإسم الحزب ،ود. بخاري الجعلي ممثل الإتحادي في مفوضية الإنتخابات شعوراً للحضور بأن العملية الإنتخابية من واقع قانون الإنتخابات والراهن السياسي بالبلاد ستمثل كارثة تقضي على الأخضر واليابس. ويبدو أن الإتحادي ممثلاً في المتحدثين أعد العدة لهذا المؤتمر بعد دراسة عميقة لما قد يطرحه الصحفيون من أسئلة، فجاءت الردود مرتبة ومنظمة كأنما يتلوها المجيب من ورقة معدة مسبقاً.
ترك الحزب الإتحادي الباب موارباً لدخوله الإنتخابات القادمة من عدمه، فقد كان المحور الأول من هواجس الأصل هو الموقف من خوض الإنتخابات القادمة. وبالرغم من أن الحزب أعلن في وقت سابق أنه سيخوض الإنتخابات على كافة مستوياتها، إلا أنه جاء ليرهن قراره النهائي بمدى قناعته بنزاهة وعدالة التدابير والإجراءات اللازمة لإجرائها -الإنتخابات- بجانب توفير الظروف والمعطيات اللازمة لتحقيق وحدة البلاد والتداول السلمي للسلطة. وفي هذا الشأن يرى مراقبون أن شرط الوحدة أمر سابق لأوانه بإعتبار أن التاريخ المحدد لقيام الإنتخابات يسبق موعد الإستفتاء بعامين على الأقل، أما إذا كان الإتحادي يريد أن يتلمس الوحدة من الإنفصال من خلال ما أسماه بالظروف الملائمة فهذا الأمر وبحسب المراقبين رهين بخيارات في علم الغيب فجملة (الحفاظ على وحدة التراب السوداني) الواردة في تقرير لجنة الإنتخابات فضفاضة وتترك مساحات واسعة للإتحادي ليدخل ملعب الإنتخابات حسب تقديراته. أما مسألة التداول السلمي للسلطة في نظر المراقبين هي الإنتخابات نفسها ويتساءل بعض من إستطلعتهم (الرأي العام): كيف سيكون هنالك تداولاً سلمياً للسلطة إن لم تسبقه عملية إنتخابية؟
أما الهاجس الثاني للإتحادي يتعلق بإحدى المواد الواردة في قانون الإنتخابات. فقد أعلن (الأصل) على لسان د. بخاري الجعلي رفضه للفقرة (ط) من البند (2) من المادة (10) ،والتي تمنح المفوضية السلطة لتأجيل أي إجراء للإنتخابات. وقال: إن الإنتخابات العامة من بين أعمال سيادة الدولة وإن إجراء أية إنتخابات جزئية من شأنه تمزيق السودان الى دويلات. وإستشهد الجعلي بمنطقة (حلايب) وقال: إن حلايب قبل سبعين عاماً كانت دائرة إنتخابية للبشاريين والأمرأر. وإن ما حدث لها اليوم يمكن أن يحدث لأية دائرة يتم إقصاؤها عن العملية الإنتخابية. وفي هذا الهاجس كأنما يريد الإتحادي أن يدعو الى إحالة أمر مسألة التأجيل لرئاسة الجمهورية بدلاً من أن تكون سلطة حصرية لمفوضية الإنتخابات خاصة وان الجعلي قال إن المفوضية ساهمت بخطوة لإرساء هذا البند وهو بذلك يقصد تأجيلها -الإنتخابات- من يوليو الماضي الى فبراير 2010م.
وفيما يتعلق بالمحور الثالث من تحفظات الإتحادي أثار الجعلي قضية الإحصاء السكاني وقال: إن الإحصاء لم يشمل مناطق ومواقع حتى في شمال السودان وبصفة خاصة في دارفور. وأبدى قلق حزبه من النتائج المعلنة وقال: ليس من المنطقي أن يكون سكان مدينة هيا أكثر من سكان مدينة بورتسودان. ودعا المفوضية لإعادة النظر في ترسيم حدود الدوائر قبل الشروع في الإنتخابات.
ونوه الإتحادي في محوره الرابع المفوضية بأن قانون الإنتخابات ينطوى على العديد من المواد المعقدة -على حد تعبيره- وتساءل الجعلي عن كيفية إدلاء المواطن المؤهل بصوته في ثمانية دوائر في الشمال والمواطن المؤهل في (12) دائرة، ناهيك عن المواطن العادي. وأضاف: أن هذا الأمر يلقي على كاهل المفوضية عبءً تاريخياً في تحرى الدقة والحكمة في تطبيق القانون. أما في المحور الخامس تساءل الإتحادي عن كيفية ضمان تمتع المواطنين كافة بمباشرة حقوقهم السياسية في ظل القوانين المقيدة للحريات خاصة في قانون الإجراءات الجنائية الذي يخول للوالي السلطة الكاملة في منع التجمعات والمواكب والليالي السياسية بحسب تقديراته الشخصية وإعتبر الإتحادي التعديل الذي أجرته الحكومة في قانون الإجراءات الجنائية بجعل الأمر خاضعاً للتشاور بين الوالي ووكيل النيابة أمراً غير مجدي.
ودعا بخاري الجعلي في المحور السادس المفوضية مراعاة ترسيم الدوائر الجغرافية وفق قوانين التعددية الحزبية منذ إنتخابات 1953م الى 1986م. ونوه في السابع الى أهمية المادة (22) من قانون الإنتخابات إذ أنها -بحسب الجعلي- تحكم شروط التسجيل في السجل الإنتخابي الذي إعتبره بمثابة المفتاح لعدالة الإنتخابات، غير أن الجعلي أبدى تخوفه من شروط الإثبات الواردة في المادة وتساءل عن الآلية التي تضمن بها المفوضية (عدم إساءة إستعمال بند إثبات الشخصية) في ظل مؤسسات وتنظيمات ذات طابع حزبي ،على حد قوله. ويقول مراقبون: إن الجعلي يريد من إثارته لهذا التحفظ تمثيلاً للقوى السياسية المعارضة داخل أجهزة الدولة المختصة بمسألة الهوية، إلا أن الجعلي نفسه قال: إن حزبه يطالب بوجود مناديب للأحزاب أو ما يعرف بـ(العرّيفين) عند التسجيل.
ودعا الحزب الإتحادي في محوره الثامن والأخير الى ضرورة تحقيق العدالة والمساواة في أجهزة الإعلام الرسمية القومية والولائية ،ورهن مدى نجاح المفوضية بما تحققه من فرص متكافئة لكل الأحزاب في وسائل الإعلام.
ويبدو أن حاتم السر الناطق الرسمي بإسم الحزب قد أحس بأن هنالك شعوراً تسلل للحضور بأن حزبه يريد من إثارته لهذه التحفظات، الهروب من العملية الإنتخابية حينما قال: إننا لا نضع هذه المواقف للإنسحاب أو الهروب من العملية الإنتخابية لأننا من الأحزاب التاريخية التي لها وزنها السياسي والقاعدي، ولا نأتي الى السلطة إلا عبر التفويض الشعبي، ولكننا نريد أن نضمن قيام إنتخابات حرة ونزيهة بعيداً عن الإنتخابات الترقيعية والتي تريد منها الحكومة تجميل وجهها وتجعل من القوى الأخرى أحزاب ديكورية وزخرفية.
ضياء الدين عباس :الراي العام