كلما أردنا أن نتجنب هذه الأحزاب المُتخشبة البائسة، والمُتحايلة على قواعدها ومواطني هذه البلاد، والتي دأبت تدلس عليهم بإظهار معارضتها للحكومة نهاراً واندغامها فيها وتماهيها معها حد التلاشي (ليلاً)، بتجنبها التطرق إلى المشاكل الحقيقية التي يعاني منها الوطن والمواطن والمتمثلة في الأوضاع المعيشية المزرية، وتردي الخدمات الصحية والتعليمية، ووضيق فرص العمل، وتفشي البطالة وانهيار القطاعات المنتجة (الزراعة والرعي، والصناعة، والتجارة)، وانحصار النشاط الاقتصادي في السمسرة والمضاربات في كل شيء.
كلما وسوسنا لـ (نفسنا المهنية) وحرضناها على الاغتسال من (جنابة) هذه الأحزاب، وأن تُيمم قلمها صوب مشاكل المواطن الحقيقية، يتضح لها أن أُس البلاء والغلاء وسبب مفارقة البلاد وقاطنيها للنشاط والحيوية وركونهم إلى التكاسل والتقاعس والكسل والاسترخاء، ما هو إلا تلك الأحزاب الحربائية التي تظهر المعارضة وتستبطن الولاء والطاعة العمياء في المنشط والمكره، فقررنا أن نوكزها ونشك جلدها الثخين بشوكة حادة لعلنا نوقظها فـ (تحس وتشعر).
وفي هذا السياق ليس من مثال حي يمشي بيننا، كالحزب الاتحادي الأصل، الذي دأب ومنذ وقتٍ طويل على إدارة وجهه لمشاكل الوطن والمواطن، و(مقابلتهم) بظهره (الأحدب) وهيكله العظمي (المقوس). إذ ظل (حزب الوسط المريض)، ومن حيث أراد أن يُظهر لمناصريه ومنسوبيه وعموم السودانيين أنه لا يزال (قوياً) وفاعلاً على الساحة يروج لعكس ذلك تماماً، فلم يطرح الحزب في الإعلام غير الشجار بين قادته ورموزه، شجار وصل حد الابتذال في توصيف الخلافات باستخدام لغة متدنية وصلت حضيضها عبر مفردة (الدواعش) الشهيرة التي نسبت لنائب رئيس الحزب ونجل زعيمه طائفة الختمية (الحسن الميرغني)، وهذا ما ذهب إليه أمس القيادي بالحزب (أسامة حسون) حيث بذل قصارى جهده للسخرية والتقليل ممن أسماهم بالمتفلتين، ولا يخفي عن أحد أن هذا المصطلح أنتجه حزب المؤتمر الوطني الحاكم، فاقتفى أثره (الاتحادي) كعادته، فصار أول حزب معارض (يحاكي) من يعارضه ويتخذه مثلاً أعلى حتى في خطابيه الإعلامي والسياسي، وهذا ما أسميته بالتماهي حد التلاشي.
لم يكتف (حسون)، بذلك بل أوغل في التهديد بفصلهم من الحزب، وأطلق على يطالبون بإطاحة رئيس الحزب (مولانا الميرغني) بقايا الدواعش، وكشف عن أنهم سيمثلون أمام لجنة تحقيق!!
صراحة من يجب أن يمثلوا أمام لجان التحقيق هم هذا الرجل (حسون)، ومن ينتجون الخطاب الإعلامي لحزب الوسط المريض، وليس من يريدون إصلاح بُنى الحزب المنهارة بفعل ديكاتورية قيادته وانفرادها بالقرار وتغييبها لآليات وهياكل العمل التنظيمي الداخلي، بل أكثر من ذلك فإن الحزب لا يمتلك برنامجاً يؤهله لإدارة محلية (وسط العاصمة) دعك عن بلاد ملؤها فقر وحروب وتخلف.
إذا كانت هناك نصيحة يمكن إسداؤها لقادة هذا الحزب (اللا حزب)، وإذا أراد أن يكون حزباً حقيقياً، فعليه أولاً وقبل الشروع في ترتيب وترميم هياكله التنظيمية، أن يقيل (فوراً) ودونما تردد، جهازه الإعلامي الذي ينتج هذه المصطلحات الصبيانية المهاترة والمشاترة التي جعلت من الحزب أضحوكة بين العالمين.