( شارع الحوادث) في الخرطوم، هو شارع ضيّق يفصل بين مستشفى الخرطوم وبنايات، معظمها عيادات خاصة لأطباء، ومعامل فحص، وتشخيص، وصيدليات.
هذا الشارع، حركة لا تتوقف، لمرضى وذويهم، تراهم يدخلون المستشفى، أو يخرجون.. لرجال ونساء، يهروعون خفافا للصيدليات بروشتات عاجلة، وآخرين يقفون على استحياء، وفي أياديهم روشتات، لكن جيوبهم خاوية.. أحيانا يمدون الأيادي بالسؤال، وأحيانا يمدون أعينهم,, وفي الأيادي مسكنة، وفي الأعين دمعات!
في هذا الشارع، التمعت الفكرة في أذهان شباب.. وكانت المبادرة( مبادرة شباب شارع الحوادث) لتقديم المساعدة لكل مريض.. وتقديم المساعدة لكل من يحمل روشتة، وفي عينيه ثمة دموع، وعلى فمه ثمة سؤال، وكل الملامح استحياء!
مكتب هؤلاء الشباب، ( بنابر) أم قسمة.. وما أم قسمة سوى ست شاى، تحتل مساحة متواضعة جدا، قرب سور المستشفى، تبيع ماتبيع، حتى إذا ما أقبل المساءُ، راحت راضية بمارزقها الله إلى بيتها، لترضي أطفالها.. وترضي ربها في الثلث الأخير من الليل.
ميزانية شباب شارع الحوادث، من جيوب خيرين، وتبرعات مغتربين، ومن أعمال أخرى يقومون بها هم أنفسهم، ويوظفون عائداتها في هذا الفعل الخير، الجميل!
هؤلاء الشباب، لكم أسعفوا مريضا يحتاج إلى إسعاف عاجل.. ولكم مدوا أياديهم إلى كل صاحب روشتة، كان يمد اليد، وهرعوا بها إلى أقرب صيدلية. لكم أغاثوا.. ومازالوا.. مازالوا يثابرون، يتقربون بهذا الفعل في كل يوم جديد، إلى رب الناس، زلفى.
قبل يومين، استكملوا بكافة المواصفات اللازمة، غرفة عناية مكثفة في مستشفى محمد الامين حامد للاطفال، في مدينة أمدرمان.
حقل الإفتتاح كان بسيطا جدا، غير أنه كان لافتا.. ومؤثرا ، وفيه من الإشارات والدلائل التي تفرح القلب: جاءوا بأم قسمة- بائعة الشاى- لتقص الشريط التقليدي، عرفانا بدورها، وجمائلها في دعم شباب شارع الحوادث..أوليست هى من جعلت من بنابرها المتواضعة مكانا لهؤلاء الفتية الميامين؟ أوليست هى من تعبئ روؤسهم بذلك الشاي المنعنع وذلك البن الذي يعدل المزاج؟
قصت الشريط.. وتعالى التصفيق..
واحتلت صورة الإفتتاح كل مواقع التواصل الإجتماعي، بين السودانيين.
غرفة العناية المكثفة، تمد مائتي طفل في الشهر مجانا، بكل مايحتاجونه من رعاية طبية وفحوصات وتشخيص..
ذلك من الأفعال النبيلة، لشباب أحسوا بالإنسان، في زمن العلاج الذي لم يعد في صالح الفقراء على الإطلاق.
لكل السودانيين هاهنا.. ولكل الخيرين: لنقف معا إلى جانب ( شباب شارع الحوادث) ومبادراتهم الإنسانية المسؤولة.