إن علاقة الانترنت بالعولمة الثقافية مرتبطة بتدفق المعلومات الهائل في الفضاء الالكتروني، بالاضافة الى موجات الهجرة البشرية بحثاً عن العلم أو العمل. والتي لا يمكن فصلها عن التدفق المعلوماتي، وعلى الرغم من تعدد تعريفات العولمة الثقافية تبعاً لكل مجتمع ورؤيته الا أن تبني الافكار الجديدة “المعولمة” في المجتمعات ليس بالأمر السهل. وهذا ما يجعل قالب العولمة الثقافية متحولاً من مجتمع لآخر من ناحية التأثير. فتوفر الانترنت والرقابة جعل الفجوة الرقمية تحدياً قوياً أمام خلق مجتمع عالمي متجانس تماماً. ناهيك عن مكونات الثقافة نفسها كالدين واللغة والعادات والتقاليد والمعتقدات التي تشكل سدّاً منيعاً كونها تمثل الهوية الفردية والجمعية.
لعل من التشبيهات الملائمة لوصف التغيرات في المجتمعات هو”المستويات”. و أن العولمة الثقافية تشكل طبقات جديدة انتقالية في الهوية الفردية والجمعية لمستخدمي الانترنت كما الناظر الى نهر في اسفل المنحدر يرى بشكل جانبي مستويات متعددة للمياه الجارية ويلاحظ أن هناك مستويات جوهرية من المياه لا يمكن الاستغناء عنها ليتم استقبال مستويات جديدة. وإذ نشير هنا الى مستويات اللغة والدين والتعليم والطبقة الاجتماعية والعرق كمستويات أساسية لا تتجزأ مهما تأثرت أجزاء منها بالعولمة إثر الهجرة المؤقتة أو الاتصال بالانترنت.
وعلى الرغم من محاولات قوى العولمة لنشر ثقافة استهلاكية محددة تخدم و عبر وسائل الإعلام، فإن استيعاب المجتمع لهذه المفاهيم الجديدة يبقى في إطار خلفيته الثقافية، نرى ذلك جلياً في ثقافة استهلاك الكولا والجينز والوجبات السريعة التي يتم تمريرها في أفلام هوليوود مثلاُ. وبالرغم من هذا تبقى هذه الثقافة الدخيلة في المرتبة الثانية في اهتمامات الفرد.
ومع ظهور منصات الإعلام الجديد أو الاجتماعي الذي يتيح للمستخدم انتاج سيل المعلومات الخاص به أصبح هذا تحدياً جديداً في العولمة الثقافية. فلم يعد الانتاج المعلوماتي حكراً على طبقة معينة بل أصبح فضاءً مفتوحاً للجميع وعلى الرغم من مساهمة الإعلام الاجتماعي في التقليل من الفجوة المعلوماتية بين المجتمعات الا ان الاختلافات العميقة لا تزال صامدة في وجه التغيير. بل وبالعكس، ففي بعض الحالات رفعت النجاحات العالمية من سقف المتوقع انتاجه محلياً، ويظهر هذا جلياً في عصر أفلام بوليوود الهندية ونوليوود النيجيرية التي اقتبست عن هوليوود إطارها العام وحولته الى انتاج محلي يعكس هموم المجتمعات المنتجة لها.
هذه التحولات أدت إلى تسميات جديدة وأصبح العالم قرية صغيرة لتصبح قرية متعددة ومتنوعة الثقافات نظراً لتعدد جنسيات وسائل الاعلام المنتجة للصور والأفكار والثقافات. ليؤكد أن العولمة الثقافية لا تعني بالضرورة هيمنة المجتمع المتطور تكنولوجياً على العالم وتدمير منظومات الثقافات المحلية. ونوكد أيضاً أن المسافات الجغرافية بين المجتمعات لا زالت عائقاً في وجه العولمة الثقافية بالرغم من توفر الانترنت وغيره من وسائل الاتصال والدليل على ذلك مناطق لا زالت تعاني نزاعات عرقية. و إن المجتمعات باتت تتصل بالانترنت كإثبات وجود مكانة رمزية لها بين المجتمعات الأخرى.
ونحن الشباب لابد لنا من الاستفادة من الانترنت ونطورة بالعلم وندخل فيه الثقافة وقيمنا الجميلة عبره وهذا يطتلب منا العمل الجاد والشاق لكي نبرز ثقافتنا وقيمنا ونكون فاعلين في مجتمعاتنا في الايجاب ونعكس الوجه المشرف لثقافتنا ،وعملنا نحن الشباب يكون متصل مع الآخر منا وندخل فيه كل الايجابيات ونزيل منه كل السلبيات .
الخيارات المتوفرة على الانترنت تجعل من السهل على الفرد أن يختار مجتمعه الافتراضي والذي يكون بالعادة متقارب أو مماثل لثقافته.
ومن ناحية أخرى تلعب اللغة في هذا المجال دوراً صريحاً خصوصاً مع اعتماد اللغة الانجليزية كلغة الانترنت. ومع ذلك تلحظ حرص مواقع الانترنت العالمية ومحركات البحث ومنصات الإعلام الاجتماعي على توفير عدة لغات لضمان الوصول الى أكبر عدد ممكن من المتصفحين. لعل أفضل مثال على ذلك هو الموسوعة الالكترونية “ويكيبيديا” التي وصل عدد اللغات المتوفرة عليها في آب 2007 الى نحو مئة واربعة وسبعين لغة بالرغم من توفر النسخة الانجليزية منها.
محاولات الانترنت المتعددة في تجاوز الحدود والجغرافية لم تفلح في اختراق الحدود الثقافية وتمسك المجتمعات بهوياتها بالحد الأدنى. وفي هذا المجال الى رغبة الشعوب بالتميّز عن غيرها من خلال هويتها الثقافية الملموسة وهذا ما يشكل تحدياً آخر للعولمة الثقافية وهذا ما يمكن إجماله بشعور المواطنة والانتماء من خلال العادات المشتركة والذاكرة الجمعية والتاريخ والمعتقدات والرموز. إذاً بالرغم من سيل المعلومات العالمي على الانترنت الا أن صلابة الهوية الثقافية وقدرة الشعوب على امتصاص وهضم الثقافات الدخيلة قد يكون بطيئاً نسبياً.
أما الفجوة الرقمية التي تفصل الدول الفقيرة عن الثرية قد تكون مسبباً آخر لتفاوت مظاهر العولمة الثقافية. فتوفر الشبكة العنكبوتية وجودة الاتصال بها مرتبط بشكل ما بتطور استخدام تكنولوجيا المعلومات .
إن عالم الانترنت بالعولمة الثقافية لن يتوقف مع تسارع التغيرات في هذا الحقل. ومما لا يمكن إنكاره هو تأثير التكنولوجيا على جوانب الحياة المختلفة. لكن من ناحية أخرى لا يمكن للتكنولوجيا أن تلغي الأميّة في ظل الفجوة الرقمية، ولا يمكنها تجاوز العرق والدين والنوع الاجتماعي وغيرها من مكونات الهوية الثقافية. ولذلك فإن التجانس المطلق بين شعوب العالم هو سريالية بعيدة المنال ومُبالَغ بها حتى وإن تمت قولبة ما هو عالمي بإطار محلي. على الرغم من اتساع نطاق الاتصال بالتكنولوجيا بشكل هائل إلا أنها لن تجعل من العالم شعباً واحداً.
محمد كزام