:: عندما تٌعاتب تصريحات سادة الحكومة والأحزاب وبياناتهم قبيلتي الرزيقات والمعاليا، نتذكر ( تجربة مارينا)..مارينا، أيها الأكارم، كانت فنانة صربية ذات جمال و ثقافة وحياة ثرة بالتجارب الإنسانية المدهشة..ومن أشهر تجاربها في حياة الناس، مغامرة شهيرة أرادت بها إختبار سلوك البشر في حال منحهم الحرية المطلقة في إتخاذ أي قرار، أي في حال توفير ( مناخ الفوضى)..!!
:: وقفت مارينا – في مكان عام – بجانب طاولة بلا حراك، أي كما التمثال.. وكانت قد وضعت على الطاولة بعض السكاكين والأزاهير والعصي والحلوى وأكواب ماء ومسدس..في ساعتها الأولى، لم تثر وقفتها إنتباهة المارة، ولم يسألها أحد عن ( سر الوقوف)..ولكن بعد ساعة أخرى، أثارت وفقة مارينا الساكنة إنتباهة المارة والسيارة .. ثم توالت ردود الأفعال ..!!
:: وضع أحدهم زهرة بين أصابعها، ولم تشكره مارينا ولم تبتسم..وجاء آخر ووضع قطعة حلوى بين شفتيها، فلم تمضغها ولم تشكره.. وجاء الثالث وأجتهد في سقيها، ولم تتحرك مارينا ولم تشكره..هكذا كانت ردود أفعال الناس طوال ثلاث ساعات الوقوف الأولى..ردود أفعال سلمية و إنسانية راغبة في مساعدتها وخدمتها.. ولكن، لم يستمرهذا الوضع طويلاً..إذ شرعت الجماهير في إظهار ردود أفعال أخرى ..!!
:: أشهر أحدهم المسدس في وجهها وأمرها بمغادرة المكان، فلم تتحرك مارينا، فوضع المسدس على رأسها، ولكن تدخل البعض وأبعدوا المسدس..وجاء آخر بسكين، ومزق ملابسها حتى تعرت، فلم تتحرك..وبعد التعري، تحرشوا بها بالنكز و اللمس وطعن بعض أجزاء جسدها ولم تتحرك مارينا.. ولكنها أدمعت..ولم تمنعهم دموعها عن التمادي في السلوك العدواني..وعند الساعة السادسة، تحركت مارينا من مكانها.. وما أن تحركت، هرب الجميع لا إرادياً..!!
:: ثم، لخصت مارينا تجربتها المؤلمة في أسطر قليلة.. ( البشر الذين نلتقيهم يومياً ونتعامل معهم دائماً في حياتنا، مهما إختلفت أعراقهم وثقافاتهم وأعمارهم، فلهم القدرة والرغبة في إرتكاب الأخطاء والجرائم وإظهار السلوك العدواني، ولكن فقط في حال أن يجدوا من يتيح لهم الفرصة)..هكذا حصاد تجربة مارينا المؤلمة، وقد صدقت بياناً بالعمل.. سكونها أغرى الحمقى بالإعتداء، وصمتها أغرى السفهاء بالتحرش، و ما أبداها من عجز شجع المارة على السلوك العدواني .. وكذلك المناخ بدارفور لايختلف كثيراً عن مناخ ساعات تجربة مارينا..!!
:: ولذلك، في محيط هذا الصحب، ليس هناك ما يستحق التأمل غير بيان صادر عن القطاع السياسي للأخوان المسلمين ..لم يشجب البيان كثيراً ولم يناشد طويلاً، أو كما السواد الأعظم من بيانات وتصريحات ما بعد المعركة، بل تعمق في ( اللحم الحي)..( إعفاء جميع القيادات السياسية والعسكرية بولاية شرق دارفور لعجزهم عن آداء واجبهم، وتوقيف كل من تحوم حوله شبهة قيادة الإعتداءات ، ونشر قوات شرطة كاملة العتاد ومدها بما يعينها وبما في ذلك طائرات الإستطلاع، وتنظيم وحصر السلاح للجيش والشرطة فقط، وتنظيم ملكية الأرض بما يحفظ للدولة حقها ولا يضيع الحقوق الأصيلة للناس، ومراجعة الأعراف الأهلية في ما يتعلق بجرائم القتل والنهب)..!!
:: هكذا الثغور وحلول سدها، فأين إرادة الدولةالتي تسد تلك الثغور ليحل السلام ؟..لم ترد الإرادة في البيان، ولكن – من واقع الحال بدارفور وغيرها – تبدو إرادة الدولة كما مارينا ( واقفة ساكت)، ولذلك ينتشر السلوك العدواني في المجتمعات..!!