استعرت حرب التوقعات والتكهنات في مجالس المدينة ووسط دواوين الحكومة حول الوالي المتوقع تعيينة في أكثر ولايات البلاد ابتلاء بالأزمات، وتحتشد المجالس وقروبات التواصل الاجتماعي بعدد وافر من الخيارات المتعلقة بتشكيل حكومة ولاية الخرطوم وواليها المقبل، خاصة بعد أن برز اتجاه قوي لترفيع عبدالرحمن الخضر ليشغل موقعا نافذا في القصر الرئاسي، أو كما تمشي التسريبات المتداولة بكثافة هذه الأيام.
الوالي الحالي سبق وأن أعلن بشكل قاطع في أكثر من مناسبة زهده عن تولي أمر الولاية مجددا، غير أن أضابير الحزب الحاكم في الولاية تراهن بشكل كبير على بقاء الخضر على سدة المنصب، ربما لدربة كبيرة يتمتع بها في التعامل مع أزمات الخرطوم وتقاطعاتها.
وقبيل إعلان الرئيس البشير لحكومته الاتحادية المرتقبة وتسميته لولاة الولايات، تتناثر الأنباء والترشيحات غير المؤكدة هنا وهناك حول القادم الجديد لشغل أخطر المناصب التنفيذية في البلاد، فحكم ولاية كالخرطوم يعد بحسب مراقبين أمرا قاسيا، ويتطلب مجهودا وقدرة عالية على تحمل مشقة التواصل مع الأزمات المتناسلة.
ومن المنتظر أن يتم الإعلان عن الوالي الجديد في أكثر أشهر العام اكتظاظا بالقضايا في ولاية الخرطوم، إذ تمضي طاحونة الأيام لتجسر الهوة الزمانية مع الخريف وآلامه، والعام الدراسي ومطلوباته. وفيما تكتفي الولاية بالترقب لما ستأتي به قرارات التعيين؛ تباشر الحكومة الحالية واجباتها وسياج من القلق بفعل هواجس القادمين والمغادرين لكابينة القيادة، يضرب أركان جهازها التنفيذي، المنوط به هذه الأيام إعداد التجهيزات اللازمة للمواقيت المشار إليه، وتجهيز خطط درء الكوارث إن وجدت، في ولاية ابتليت دوماً بالمفاجآت والكوارث غير المنتظرة، ذات المواعيد المعلومة! والحال كذلك لربما تزيد التسريبات بالأسماء القادمة هواجس القلق الذي ربما يقلل من حماس الحكومة الحالية وجودة تعاملها مع الأزمات المرتقبة في مقبل المواعيد.
حسناً، يجلس الخضر على كرسي حكم الخرطوم المتنازعة بين الهموم الاتحادية والولائية والتي تنوء بحملها الثقيل كونها مركز البلاد وعاصمتها السياسية والاقتصادية. وفي الوقت ذاته مطلوب من حكومته تنفيذ مشروعات وخدمات ترضي تطلعات سكانها في المدن والأرياف.
المؤكد أن الرجل سيغادر أكثر كوابيسه في اليقظة، وستكسو محياه سمت السعادة حال تم إعفاؤه من المنصب وتعيينه في موقع آخر، حسب ما يدور من توقعات. حينها فقط سيهدأ له بال، وسوف يحط عن كاهله هموم ستة ملايين من البشر يقطنون الولاية؛ يحتاجون للخدمات المختلفة التي سعت حكومته لتوفيرها عبر مجموعة من المشروعات التنموية والخدمية.. أصاب النجاح في بعضها، وأدرك الفشل في البعض الآخر منها، أو قل لم تمهله المواقيت حال غادر المنصب. غير أن المؤكد أيضاً أن الخضر سيترك الخرطوم في بحر أزماتها، وسيكتفي بتقديم النصيحة والمشورة لخلفه في المنصب؛ سواء أكان من سيرث عرش الولاية من طاقم حكومته التنفيذي الحالي أو من خارجه، ولن يتوانى في منحه شفرات وأسرار التعامل مع الأزمات في أرض الخرطوم المتحركة على الدوام نتيجة للمشكلات التي تتفجر هنا وهناك من الحين للآخر.
وأيا كان القادم لولاية الخرطوم فالمؤكد كما قلنا أن المهمة ستكون صعبة للغاية، وهو ما يعني في ذات الوقت أن التعيين يحتاج لتمحيص دقيق بغية اختيار الوالي الجديد، أو إعادة ترسيم القديم. ففي الخيارين ستكون الصعوبة بالغه في حلحلة الملفات في الولاية والخروج بها إلى بر الأمان حاضرة.
وبعكس ما تشير بعض التسريبات، فإن محمد طاهر أيلا ليس من السهولة بمكان مغادرته عروس البحر، بعد كل ما فعله هناك ليغامر ببناء مجد مشابه في العاصمة بكل تعقيداتها وأزماتها، وهي مهمة إن أوكلت له تبدو أقرب للاستحالة في ظل اختلاف الأوضاع بين الولايتين، واتساع الرقعة في الخرطوم، بخلاف بورتسودان. ومع مراعاة فروق التوقيت والصحة والمجتمع في الولايتين فإن فروقات الإمكانيات والموارد ستكون ربما هي المزية الوحيدة التي قد ترجح كفة نجاحه إن أصاب المقعد. بخلاف ذلك تبقى أسباب كثيرة تحول وتعيين أيلا واليا على الخرطوم، التي تبدو وكأنها في حاجة إلى وال خبرها وخبرته جيداً.
فرص تعيين واحد ممن سبق لهم العمل في الولاية هي فرضية جعلت التنافس والتوقعات داخل أروقة المؤتمر الوطني بالولاية على أوجها، بحسب مقربين من الحزب، وأعادت للذاكرة التنافس المستعر حول تسمية المرشحين السبعة لمجلس شورى الحزب قبل أشهر من الآن. وبين الخبرة والثقل الجماهيري والمناطقي تنقسم الآراء في الحزب لرفع توصياته لمساعدة الرئيس البشير في تعيين الوالي الجديد.
في الأثناء وفي ظل الحراك البائن والتكهنات المبذولة ذات اليمين واليسار، سيبدو من المعقولية التعامل مع النشاط المكثف الذي يقوم به هذه الأيام معتمد محلية الخرطوم اللواء عمر نمر بوصفه محرضاً لاسئلة تتقافز في الأذهان عن سر الحيوية التي يلخصها البعض وكأنها محاولة لتسويق نفسه بغية تعيينه في المنصب الحساس. وبحسب مراقبون فإن نمر الذي نجح بشكل كبير في إدارة شؤون المحلية وطبق فيها نظاما عمليا قد تزيد فرص صعوده إلى المنصب الأول في الولاية، دون تناسي خلفيته العسكرية والأمنية التي تحتاج إليها ولاية كالخرطوم بشكل كبير.
حتماً.. ستكشف الأيام عن الشخصية المنتظرة لحكم ولاية الخرطوم، غير أن التكهنات والتسريبات الحالية لن تذهب أدراج الرياح، فهي تسهم بشكل كبير في عمليات التنقيح بين الأسماء لدى القيادة العليا للدولة ولا يمكن بأي حال من الأحوال التقليل منها وعدها مجرد شائعات أو تكهنات، فهي تسريبات تخرج من داخل أروقة ومكاتب ومجموعات المتنفذين في المؤتمر الوطني ويتداولها أعضاء الحزب ويسهمون بآرائهم فيها حتى وإن كان حسم الأمر في النهاية يتم بصورة شورية ومؤسسية داخل الحزب، إلا أن الثابت أن سحر تلك التكهنات يفعل فعله في القرار النهائي ما لم تكن للأمر علاقة بثورة مرتقبة من الرئيس البشير في تغيير المعايير والمفاهيم لدى اختياره للولاة الجدد.
مهند عبادي
صحيفة اليوم التالي