أسئلة كثيرة ربما تكون عالقة في أذهان الكثيرين من بينها ماذا يستبطن الحسن الميرغني داخل رسائله الاخيرة للمؤتمر الوطني والنصائح التي دفع بها إلى شريكه الأكبر في الحكم .. هذه الأسئلة من الصعوبة بمكان أن تجد الإجابة الشافية إلا من الحسن نفسه فكل التكهنات ربما تذهب بعيداً عن الإجابة المنطقية للأسئلة المطروحة، لكن الإجابة الأقرب تتمثل في أن الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل ظل يمارس تكتيكات سياسية منذ أن أعلن تقاربه مع الوطني واختار طريق السلطة والمشاركة فيها، فالحسن يبدو أنه لم يسلك طريق والده ويمارس عادته التي أصبحت سمة من سماته طيلة تاريخه السياسي الطويل فقد كان يمارس الصمت ولا يعلق على كثير من القضايا السياسية بما فيها قضية السلطة والمشاركة فيها فإلى الآن لم يصرح زعيم الحزب بأنه مع أوضد المشاركة في حكومة القاعدة العريضة وكذلك فعل في موقف حزبه من الانتخابات الماضية والمشاركة في الحكومة المقبلة.
تصريحات مبهمة
لكن الميرغني الابن الذي ظل يظهر بمعدل أكثر من خمس مرات في الأسبوع بتصريحات حصرية للمركز الصحفي للخدمات الصحفية أو لبعض الصحف اليومية، حملت تصريحاته الكثيرة من التناقضات عجز المراقبون عن فك طلاسمها وفيما يبدو أن الحسن قصد أن تكون تصريحاته مبهمة وغير واضحة ويكتنفها الغموض في مرحلة بالغة الحساسية ويمر فيها حزبه بمخاض عسير بعد قرارات المجزرة في مقابلة القوة والتماسك الذي يتمتع به شريكه الحزب الحاكم ، فنجل الميرغني ربما يطلق من التصريحات المبهمة والمتناقضة ما يكفي أن يدس (عوجة حزبه ) حتى لا يراها المؤتمر الوطني بغرض رفع سقفه التفاوضي ليحظى بأكبر نصيب من كوتة السلطة، حيث هاجم بذكاء شديد ما اسماهم باحزاب الفكة، وأفسح في اليوم الثاني لهجومه المثير للجدل المجال للقيادي البارز بالحزب أحمد سعد عمر للدفع برسالة تحمل زهد الحزب الاتحادي في السلطة وتؤكد أن الحزب سيشارك في الحكومة ولو بشخص واحد فقط، مبرراً لذلك بأن الحزب يضع الوطن نصب عينيه ولا تعنيه المشاركة في السلطة أو حجمها.
ابتزاز سياسي
القراءة المتأنية لتصريحات نجل الميرغني وأحمد سعد عمر تؤكد أن قادة الأصل يتبادلون الأدوار بما يشبه الابتزاز السياسي ويظهر ذلك بشكل واضح في تصريحات الحسن التي دسها داخل هجومه على أحزاب الفكة منبهاً المؤتمر الوطني بمعاملة الأحزاب بأوزانها وثقلها الجماهيري، من هنا يبدو واضحاً ان الحسن يسعى للظفر بأكبر قدر ممكن من المناصب الدستورية سواء على المستوى الاتحادي أو الولائي، ويؤكد ما ذهب إليه المراقبون أن الاتحادي يمارس تكتيكاً سياسياً للحصول على ما يريد عبر تصريحات الزهد في السلطة والمطالبة بزيادة حصته، فتلك ظهرت وبشكل جلي خلال التصريحات التي دفع بها قادة الحزب قبل إعلان النتائج النهائية من قبل المفوضية القومية والتي هددوا فيها بتقديم الفائزين من حزبه لاستقالاتهم حال عدم تلبية مطالبهم، فيما اضطر الحسن عقب عودته إلى البلاد في الليلة التي تلت التصريحات إلى التبروء من التصريحات السابقة واعتبرها مجرد (شيطنة) وصادرة من أشخاص لا يمثلون المؤسسة، بل وكشفت مصادر عن محاسبة كل الذين ثبت تورطهم في التصريحات، وأعلن بعدها الحسن نزاهة الانتخابات وأنهم ماضون في المشاركة بأي نسبة، تصريح يبدو متناقضاً مع تصريحاته الأخيرة التي طالب فيها بمعاملة الأحزاب حسب ثقلها الجماهيري.
إثبات الذات
يرى كثيرون أن تصريحات الحزب المتناقضة قد تكلفه كثيراً لاسيما التصريحات التي سخر فيها الحسن مما اسماها بأحزاب الفكة فهي أحزاب عركت الحياة السياسية منذ بدايات الانفتاح الأولى لثورة الإنقاذ عقب مبادرة الشريف زين العابدين الهندي علاوة على أنها تتمتع بثقة كبيرة وسط قيادات الحزب الحاكم ويحتفظ لها الحزب الحاكم بجمائل كثيرة فهي التي وقفت مع النظام في محنه التي ألمت به على مر السنين الماضية من لدن الحصار الاقتصادي وتداعيات المحكمة الجنائية وأحداث سبتمبر، في وقت كان الحزب الاتحادي الأصل يقود المعارضة بالخارج عبر التجمع الوطني الديمقراطي، بيد أن كثيراً من المراقبين يرون أن الوطني يمكن أن يدير ظهره لبعض هذه الأحزاب في سبيل أن يحتفظ بعلاقته بالحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، لكن القيادي بالحزب علي السيد قال في حوار سابق له مع التيار إن الاتحادي الآن يقوده المؤتمر الوطني وأن الحسن يأتمر بأمر الحزب الحاكم ما يعني أن التصريحات الأخيرة ربما كانت محاولة لإثبات الذات والتحرر من قبضة الحزب الحاكم ورسالة لكل من يتهم الأصل بالترلة التي يقودها الوطني.
التيار